الخميس، 13 أغسطس 2015

سوريا رحلة الآلام .. عبور المجر

جاء يوم الثلاثاء الموافق 22 يوليو ، انتظرت مجموعتنا هذا اليوم بفارغ الصبر بعد فشل كل المحاولات السابقة في عبور المجر، وبقينا ننتظر في صربيا لمدة اسبوع كامل من دون جدوى ، لم نكن نعلم ان كنا سننجح في هذا اليوم أم ستمنى جهودنا بالفشل الذريع ، لكن مجرد التحرك والانطلاق نحو نقطة العبور على الحدود الصربية المجرية كان كافيا لرفع معنوياتنا المنهارة .

جلسنا ننتظر منذ الصباح الباكر في حديقة بلدة كينجازي الصربية أي اخبار جديدة من المهرب ابو داود ، مضت الساعات الاولى من دون ان يكون هناك اي اخبار حول رحلتنا الاخيرة نحو النمسا ، ما ادى الى زيادة قلق الكثير من اللاجئين الذين انتظروا لبضعة ايام في نفس الحديقة ، دفعوا اموالا للمهرب من دون أي ضمانات أو سندات مكتوبة .

بدت الساعات الأولى ثقيلة جدا ، زادها ثقلا ، مرضي المفاجئ بالتهاب حاد اصاب حنجرتي ، ما ادى الى اصابتي بزكام حاد ، لم استطيع الحصول على اي ادوية مضادة للالتهاب سوى كبسولة واحدة قدمتها لي سيدة كردية ، بدت لي كطوق نجاة . 

كانت الشرطة الصربية تتجول في أرجاء الحديقة ، تطلب من اللاجئين إبراز ورقة المغادرة التي حصلوا عليها من السلطات الصربية عند دخولهم صربيا ، كان بعض اللاجئين لا يحمل هذه الورقة (الخارطية) والبعض الآخر كان يحملها لكن صلاحيتها (72 ساعة ) انتهت ، فكان عناصر الشرطة الصربية يطلبون من بعض اللاجئين مبلغا من المال قدره 10 يورو لكل شخص لا يحمل هذه الورقة ، طلبوا مني هذا المبلغ ، لكني رفضت الدفع لأي مبلغ تفوح منه رائحة الرشوة . 

بدأ اللاجئون يتناولون طعام الإفطار والغداء من خلال شرائهم للأطعمة والمشروبات من بعض محلات البلدة ، لم اجد طعاما اتناوله في هذا اليوم ، لان المال الذي بحوزتي قد نفذ بشكل كامل ، ولم يبق معي شيئا ، سوى بضعة حبات من التمر (6 حبات ) اشتريتها من بلدة بولي كاسترو اليونانية عندما كنت في طريق العبور نحو مقدونيا .

تناولت ثلاث حبات من التمر وشربت قليلا من الماء ، وقبل موعد الظهيرة حضر المهرب ابو داود واخبرنا اننا سنخرج اليوم الى نقطة الحدود المجرية في محاولة جديدة ، تجهزنا خلال اقل من ساعة ، وفي تمام الساعة الثانية ظهرا ، انطلقنا من بلدة كينجازي الصربية الى نقطة الحدود المجرية ، مشينا حوالي ثلاث ساعات ونصف تحت لهيب الشمس الحارق ، حمل اللاجئون معهم عبوات الماء في حقائبهم ، وخلال الطريق بدأ اللاجئون يستهلكون ما عندهم من ماء ،حتى اضطر بعضهم لتعبئة العبوات من ماء النهر الراكد ، بعد ان نفذ الماء عندهم بشكل كامل . 

كانت مجموعتنا مكونة من اربعين لاجئا ، بينهم ثلاث سيدات ، والقسم الأكبر كان من اللاجئين السوريين الاكراد الهاربين من مدنهم وقراهم في شمال سوريا بسبب خلافاتهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd) ورفضهم لنظام التجنيد العسكري في ما يعرف بوحدات حماية الشعب الكردي (ypg)  اما القسم الآخر من الاكراد فكانوا من العائلات الهاربة من قراهم التي سيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية (isis) وكان هناك شبان سوريين مسيحيين هاربين أيضا من التجنيد الاجباري الذي يفرضه نظام الاسد على الشباب للزج بهم في جبهات القتال ضد أبناء الشعب السوري

وصلنا نقطة الحدود المجرية في تمام الساعة الخامسة والنصف ، لم ننتظر طويلا ، تقدم الريبر ابو زياد الى النقطة التي غرق فيها الشاب السوري قبل ثلاثة ايام ، فوجدها آمنة من البوليس المجري ، نادى لنا ان نتقدم بسرعة وهدوء وذكرنا أن نغلق أجهزة الموبايل حتى لا نكشف موقعنا لقوات حرس الحدود المجرية ، وقفنا امام نقطة النهر التي شكلت لنا عقدة كبيرة ، بعد ان فشلنا في عبورها لعدة ايام متتالية، لم يستطع المهرب ابو زياد ان يبني جسرا خشبيا بطول مترين ونصف لعبورنا مياه النهر .

نزل المهرب ابو زياد لمجرى النهر عند النقطة ، وطلب منا أن ننزل فردا فردا الى النهر ، نزل اللاجئون وخاضوا في المياه بعمق نصف متر وبمسافة مترين ونصف ، كان في نهاية المجرى تلة جبلية شديدة الانحدار والصعود ، شكلت هذه التلة بداية الحدود المجرية ، اما مجرى النهر فكان الحد الفاصل بين التلتين الصربية والمجرية . 

خضت مع اللاجئين في مياه النهر ، نجحت في حماية جهاز الموبايل من الغرق في مياه ، عندما رفعته للاعلى ، لكني فشلت في حماية اوراقي الثبوتية وبطاقات العمل من التبلل بماء النهر ، حيث كنت اضعها في حقيبة صغيرة حول خاصرتي .

عبر جميع اللاجئين مجرى النهر ، اجتزنا بصعوبة كبيرة التلة الجبلية بسبب الانزلاقات الطينية التي اصابت التلة من ماء النهر ، وهو ما حدث معي ، عندما صعدت خطوتين لاعلى التلة ثم انزلقت للاسفل نحو مجرى النهر ، لكن المهرب الذي كان يقف في منتصف مجرى النهر ساعدني ودفعني بقوة للأعلى ، مسكت التراب اليابس بيدي وقمت بالانبطاح ارضا على بطني لأثبت نفسي خشية ألا انزلق مرة اخرى ، قام احد اللاجئين بمد جذع شجرة بطول ثلاثة امتار من اعلى التلة الى اسفلها حيث كنت منبطحا على بطني ، وطلب مني ان امسك بالجذع ، مسكت به وبدأ اللاجئ يسحبني للاعلى ، وبدوري قمت بدفع اقدامي للامام . 

نجحت في الصعود لاعلى التلة ، واصبحت على الاراضي المجرية ، كانت ثيابي متسخة بشكل كامل بسبب الطين والوحل الذي اصابها ، قمت بمساعدة اللاجئين المتبقين في مجرى النهر بمد جذع الشجرة من اعلى التلة التي صعدت اليها نحو الاسفل الى مجرى النهر ، بدا التعب والارهاق على اللاجئين بسبب العبور الصعب الذي لم يكن يتوقعه احد منا ، مشينا في الغابة المجرية حوالي نصف ساعة ، اقترب منا رجل شرطة مجري ، اختبأنا بين الاشجار الكثيفة ، حاول الوصول الينا ، لكننا استطعنا الهروب استمر سيرنا في الغابة المجرية المحاذية للنهر لمدة ساعة ، وكانت الوقت قد اقترب من السابعة مساء ، كانت الشمس لاتزال ساطعة ، طلب منا المهرب ان نجلس ارضا بين الاشجار الكثيفة ، وحذرنا من اصدار اي صوت ، كانت تعليمات المهرب وخطته تقضي ان نجلس في الغابة المجرية لمدة ساعتينةونصف حتى تغيب الشمس كليا ويحل الظلام .

جلسنا ننتظر مرور الساعتين ونصف بفارغ الصبر ، بدأ اللاجئون يرشفون الماء الذي حصلوا عليه من النهر ، وكانت الحشرات الطائرة التي تنبعث من الغابة تفتك بنا وتهرش بأجسادنا المنهكة ، تناولت آخر ثلاث حبات تمر ، لأعين جسدي على مواصلة المشي بعد غروب الشمس .

غابت الشمس وحل الظلام ، طلب المهرب ان نتحرك بهدوء ، تحركنا بضع خطوات ثم وقفنا ، تحرك المهرب امامنا ، ثم طلب منا ان نخرج من الغابة ونصعد الى الطريق العام باقصى سرعة ، كان الطريق العام عبارة عن تلة ترابية معبدة بالاسفلت تشكل الحدود المجرية مع صربيا ، صعدنا اعلى التلة ثم هبطنا بسرعة كبيرة نحو الاسفل ، تغلغلنا داخل حقول المزارع المجرية ، بدأنا نمشي بين حقول الذرة وعباد الشمس لمدة حوالي ساعة ونصف ، كان هدفنا الوصول الى بلدة سجد المجرية ، حيث تنتظرنا في تمام الساعة الواحدة ليلا سيارة المهرب لتنقلنا الى النمسا .

واصلنا المشي بين الحقول المجرية بشكل متقطع ، وكنا نستريح من المشي بالجلوس داخل الحقل حتى لا نكشف وجودنا لسكان القرى الذين كانوا يبلغون البوليس عن حركة اللاجئين داخل الحقول ،  توقفنا عن المشي في تمام الساعة 12 ليلا . 

كانت اقدامنا قد اصابها التعب من شدة المشي لمسافات طويلة بين القرى المجرية والصربية ، فمجموع ما مشيناه في ذلك اليوم كان حوالي 40 كيلو مترا ، كان كاحل قدمي قد اصيب بجروح سطحية سببها الحذاء ، وكان باطن قدمي قد انتفخ الجلد وبدا على شكل فقاعات مائية .

وصلنا الى اطراف بلدة سجد المجرية ، وبدا طريق الاوتوستراد الدولي الذي يربط بين دول الاتحاد الاوروبي ماثلا امام اعيننا ، طلب منا المهرب الجلوس ارضا وانتظار قدوم الحافلة لنقلنا للنمسا ، انتظرنا حوالي ربع ساعة ، حضرت حافلة بطول ثلاثة امتار وعرض مترين تقريبا ، صعدنا جميعا الى داخل الحافلة التي كانت على هيئة عربة اسعاف ، اغلق السائق باب الحافلة وانطلق بسرعة كبيرة .

كانت الحافلة صغيرة جدا ، وغير مخصصة لنقل هذا العدد الكبير من الافراد ، تكدسنا داخلها ، لم تكن الحافلة تتسع لاكثر من عشرة اشخاص في احسن الحالات ،  كان عددنا داخلها اربعون لاجئا .

سارت الحافلة التي كنا بداخلها على طريق سريع لمدة اربع ساعات ونصف ، لم يتسن لنا رؤية الطريق ،لاننا كنا داخل صندوق الحافلة ولم نر شيئا على الاطلاق .

كانت هذه الساعات الطويلة ، اشبه بالسجن داخل قفص صغير ، وبرغم ذلك بدا الارتياح واضحا على وجوه اللاجئين الذين تجاوزوا مرحلة الخطر داخل المجر بصعودهم الى الحافلة التي كانت تسير بسرعة كبيرة في منتصف الليل دون توقف . 

كان الاتفاق مع المهرب أن نجلس داخل سيارة نقل لاربعة لاجئين فقط ، لكنه نكث بوعده وفاجأنا بهذه الحافلة التي لم تكن تصلح لنقل هذا العدد الكبير من اللاجئين الذين كانوا مجهدين من عناء يوم شاق ، كنت احتاج للنوم دقيقة واحدة ،نمت واقفا وبشكل متقطع  من شدة التعب والجوع والعطش ليوم كامل .

في تمام الساعة الخامسة والنصف فجرا توقفت الحافلة فجأة ، فتح السائق الباب وطلب منا أن ننزل بسرعة كبيرة قبل ان يحضر البوليس النمساوي ، نزلنا بسرعة من الحافلة ، التقطنا انفاسنا واستعدنا حريتنا من سجن الحافلة ، وانطلقنا نحو حقل صغير يقع خلف مطار فيينا الدولي ، دخلنا الى الحقل وتخلصنا من ثيابنا القديمة المتسخة بالوحل وارتدينا ثياب جديدة نظيفة ، وانطلق كل لاجئ نحو وجهته النهائية سواء كانت في النمسا أو نحو بلدان الاتحاد الاوروبي ، بعد رحلة طويلة حملت الكثير من الآلام والمخاطر والمصاعب .

الخميس، 6 أغسطس 2015

سوريا رحلة الآلام .. عقبة الحدود المجرية " خط الدفاع الأول عن أوروبا "

في صباح يوم الجمعة الموافق 17 يوليو ، انطلقت برفقة ثلاثة أصدقاء سوريين إلى مدينة كانيجا الصربية التي تقع على حدود المجر بمسافة 20 كيلو متر ، استغرق الطريق من بلغراد إلى كانيجا بالسيارة حوالي ثلاث ساعات ، وعندما وصلنا البلدة ، استقبلنا ابو داود وهو مهرب سوري يعمل في مجال تهريب اللاجئين من صربيا إلى النمسا . 

لم يكن بمقدوري عبور المجر لوحدي ، لأنه في حال اعتراضي من قبل السلطات المجرية ستكون هناك مشكلة كبيرة ، لأن الشرطة المجرية لا تخير اللاجئ بين البقاء في المجر أو المغادرة كما تفعل اليونان ، بل تجبره على البصم لديها في أقسام الشرطة ، وبالتالي تفقد اللاجئ حقه في الإقامة بدول الاتحاد الأوروبي ، لأن المجر تشارك دول الاتحاد اتفاقية دبلن لعام 1951 والتي لا يحق فيها للاجئ الإقامة وطلب اللجوء في أي دولة أوروبية طالما أنه بصم في دولة أوروبية أخرى .

كان الخيار الوحيد أمامي الاستعانة بمهرب يعرف الطرقات الآمنة والأقل انتشارا لقوات حرس الحدود المجرية ، جرى الاتفاق مع المهرب أبو داود الذي تعهد بإيصالنا للنمسا عبر المرور بالمجر دون وقوعنا في قبضة عناصر الشرطة المجرية ، مقابل مبلغ من المال يترواح من 1400 إلى 1800 يورو للشخص الواحد . 

مضى يوم الجمعة ، دون أن نستطيع الخروج إلى نقطة الحدود الصربية - المجرية رغم أن الاتفاق مع المهرب ابو داود يقضي بالتحرك إلى الحدود في نفس اليوم لكن المهرب تذرع أن الطريق مقفول في هذا اليوم ، وأنه لم يتلق الإشارة من رفاقه الذين يتواجدون عند نقطة الحدود ويراقبون الطريق في الصباح والمساء ، فما كان منا سوى الانتظار لليوم التالي في فندق صغير استأجره المهرب لنا لنمضي ليلتنا الأولى في البلدة .

وعندما طلع علينا يوم السبت ، طلب منا المهرب أن نستعد للانطلاق بعد الظهيرة ، أبدى جميع اللاجئين استعدادهم للخروج في هذا اليوم العصيب إلى نقطة الحدود ، كان الخوف يتملكني بشكل كبير ، أكثر مما لو كنت ذاهبا إلى قاعات الامتحان الدراسي ، أو حتى لساحات الحرب ، لأن الخطأ في العبور ، سيعني ضياع كل الأموال التي انفقت في رحلة الشتات . 

حان وقت الظهيرة ، اجتمع اللاجئون أطفالا ونساء ورجالا في حديقة البلدة ، قام المهرب بفرز اللاجئين الذاهبين إلى ألمانيا والنمسا كل على حدا ، وعندما انتهى من عملية الفرز ، قادنا إلى نقطة الحدود ثلاثة من الريبرية ، والريبر هو الشخص الذي يعمل مع المهرب ويستكشف الطرقات الخطرة بين الغابات ،وبنفس الوقت يتصدى لقطاع الطرق واللصوص الذين يعترضون قوافل اللاجئين في الطريق وسلبهم أموالهم .

كان عددنا حوالي 90 شخصا تم تنظيمنا في مجموعتين ، المجموعة الأولى باسم مجموعة النمسا ، والمجموعة الثانية باسم مجموعة ألمانيا ، مشينا سيرا على الأقدام من بلدة كانيجا إلى نقطة الحدود المجرية حوالي ثلاث ساعات ونصف بمسافة تقدر بعشرين كيلو متر ، وأثناء مسيرنا صادفنا مجموعات متفرقة للاجئين سوريين كانوا يسيرون لوحدهم دون أن يكون معهم مهرب . 

قبل وصولنا نقطة الحدود ، حدث اشتباك بين لاجئين سوريين وقطاع طرق من جنسيات أخرى ، سمعنا أصوات النساء تعلو عاليا من مكان لا يبعد عنا كثيرا ، ركض الريبرية نحو موقعة الاعتداء ، وتدخلوا بشكل عاجل لردع قطاع الطرق الذين أشهروا أسلحتهم البيضاء والنارية بوجه اللاجئين العزل ، نجح الريبرية السوريين الذين يتمعتون بشجاعة قوية في ردع قطاع الطرق وحماية اللاجئين الذين كانوا يسيرون لوحدهم .

عند وصولنا نقطة الحدود ، اختبأنا بين الأشجار الكثيفة ،تقدم أحد الريبرية لاستكشاف نقطة العبور ، وعندما وجدها خالية من عناصر البوليس المجري ،اتصل عب الهاتف بزميله الذي كان برفقتنا وأعطاه الضوء الأخضر لعبورنا ، وقبل أن نتحرك ، طلب منا الريبر أن نغلق أجهزة الهواتف النقالة قبل دخولنا الأراضي المجرية ، لأن البوليس المجري يمكن أن يحدد موقعنا عبر رصد إشارة البث التي ترسلها هواتفنا النقالة . 


تحركنا نحو نقطة العبور ، كانت النقطة عبارة عن مجرى نهر صغير متفرع من نهر الدانوب ، وضع المهرب سلما خشبيا صغيرا فوق مياه النهر لمساعدة اللاجئين في العبور ، اصطف اللاجئون عند السلم ،عبرالأطفال والنساء أولا ، ثم جاء دور الرجال ، عبر قسم من الرجال للضفة الأخرى ، وعندما جاء دوري بالعبور ، كان عناصر البوليس المجري قد اقتربوا منا ، فلم يكن باستطاعتي المجازفة بالعبور ، لأن في ذلك مخاطرة كبيرة جدا ، تراجعت إلى الوراء مع حوالي ثلاثين شابا ، وركضنا مسرعين باتجاه الغابة الصربية ، سمعنا أصوات البوليس المجري ينادوننا أن نأتي إليهم ولا نخاف ، لكننا لم نستجب لهم .

نجح النساء والأطفال وبعض الرجال في العبور نحو المجر وساروا في غاباتها بضع ساعات ، ثم نقلهم المهرب بسيارته من المجر  إلى النمسا ،أما نحن فكان الفشل والإحباط من نصيبنا ، وبعد لحظات قصيرة من جلوسنا في الغابة الصربية ، حاولنا مرة أخرى الوصول إلى ضفة النهر ، وإعادة المحاولة من جديد ، لكننا فشلنا للمرة الثانية ، لأن عناصر البوليس المجري انتشروا بكثافة حول النهر بعد أن كشفوا عبورنا الأول ، لم نفقد الأمل ، أعدنا المحاولة بعد مرور ثلاث ساعات على المحاولة الأولى ، كانت الغابة تعيش في ظلام دامس ، والوقت أصبح متأخرا في منتصف الليل ، وعندما وصلنا إلى مجرى النهر تفاجأنا بوجود البوليس المجري في مثل هذه الساعة المتأخرة ، وأصبح ينادينا باللغة العربية : مرحبا سوري مرحبا ، وبالانكليزية هل بإمكانك أن تثق بي ، تراجعنا إلى الوراء وانسحبنا نحو الغابة الصربية ونحن في حالة إحباط كامل . 

لم يكن بمقدورنا العودة إلى بلدة كانيجا لأن المسافة بعيدة جدا ، والوقت كان متأخرا والمخاطر كبيرة جدا ، ومن شدة التعب نمنا على أرض الغابة ، ولم يكن معنا سوى القليل من الماء ، اضطر بعض اللاجئين للشرب من مياه النهر الراكدة وغير الصالحة للاستعمال وكانت الغابة تعج بالحشرات الطائرة والزاحفة التي كانت تفتك بأجسادنا وتسرق النوم من عيوننا.



طلع علينا فجر يوم الأحد  دون أن استطيع النوم طوال الليل ، كان اللاجئون نائمين في الغابة رغم الصعوبات الكبيرة ، شاهدت سيدة تقترب نحو الغابة ، كانت تحمل بيدها سلة ، مشيت باتجاهها لأعرف ماذا تريد منا في هذا الوقت ، قدمت لي ثلاث عبوات من الماء الصالح للشرب،  تحدثنا إلى بعض بالإنكليزية رحبت بي وعرفت بنفسها وقالت لي أنا مونيكا من المجر ، أخبرتني أن أبلغ اللاجئين السوريين أن يسلموا أنفسهم للبوليس المجري ، لأن البوليس ينتشر بكثافة في كافة أنحاء الطريق ، وأنه بإمكان اللاجئين أن يبصموا لدى السلطات المجرية وبعد ذلك يستطيعون مواصلة طريقهم إلى المانيا ، أخبرتها أننا لا نريد البصمة في المجر لأن ذلك سيحرمنا من طلب اللجوء في بلدان الاتحاد الأوروبي .

وفي منتصف يوم الأحد ، كان الجو حارا جدا في الغابة ، اقترح الريبر أن ارافقه إلى شاطئ النهر ، كان الريبر ورفاقه يعرفونني جيدا بحكم تواجدي في وسائل الإعلام وكان يزعجهم ما كنت أمر به من مصاعب ، قفز الريبر ورفاقه الى مياه النهر للسباحة والانتعاش من الجو الحار ، وبعد وقت قصير وصل شاب سوري كان يقيم في السويد متزوج ولديه طفلة صغيرة ، نادى الشاب للريبر أبو حسين وطلبه في حديث خاص ، تم الاتفاق بينهما على أن يساهم الشاب في تجهيز الجسر الخشبي من أغصان الأشجار ، وهو الجسر الذي كنا سنعبر عليه نقطة النهر من صربيا إلى المجر . 

انشغل الشاب في بناء الجسر الخشبي ، فيما نحن ذهبنا الى الغابة للاستعداد للانطلاق نحو المجر ، ومن ثم إلى النمسا ،كنا بانتظار إشارة من الشاب حال انتهاءه من بناء الجسر ، وبعد مرور نصف ساعة ، وصلنا خبر غرق الشاب السوري في مياه النهر ، ذهبنا نستطلع الخبر ، عرفنا من مصادر متعددة أن الشاب غرق في النهر بعد أن حاصره البوليس المجري ، أثناء بنائه للجسر الخشبي ، وجد نفسه مطوقا بالبوليس المجري ، لم يكن أمامه سوى السباحة في النهر ، سبح لمنتصف النهر ، وفجأة غطس الشاب نحو أسفل النهر ، ولفظ أنفاسه الأخيرة غريقا في النهر.

استنفر البوليس المجري عند نقطة الحدود مع وصول خبر الشاب الغريق ، وكذلك استدعى الموقف الحرج تدخل البوليس الصربي للعثور على جثة الشاب في الجانب الصربي من الحدود ، تأزم الوضع وأصبح معقدا للغاية ، ولم يعد بمقدورنا العبور نحو المجر ، فالحدود أصبحت شبه مغلقة ، وما كان منا سوى العودة نحو بلدة كانيجا الصربية ، حملنا حقائبنا وأقفلنا عائدين من الغابة الحدودية إلى البلدة التي تبعد حوالي عشرين كيلو مترا عند نقطة الحدود . 

مشينا في بداية مساء الأحد سيرا على الأقدام المتعبة حوالي ثلاث ساعات ونصف ، عددنا حوالي أربعين لاجئا سوريا ، كنا في حالة يأس شديد وإحباط كبير ، فبدلا من أن نسير داخل الاراضي المجرية ، ها نحن نسير عائدين نحو عقدة صربيا ، وأصدقائنا الذين كانوا معنا في أول محاولة  وصلوا ألمانيا وهولندا وبلجيكا .

وصلنا إلى بلدة كانيجا في تمام الساعة الثانية عشر ليلا ، كان التعب قد أصابنا بمقتل ، لم أجد مكانا أنام  فيه في فندق المهرب ابو داود ،لأن الفندق صغير جدا وهو مخصص لنوم النساء والأطفال في أغلب الحالات ، فلم أجد سوى الحديقة ، استلقيت على أرض الحديقة ونمت بعمق كبير كما لو أنني لم أنام منذ عام كامل . 


في صباح يوم الاثنين استيقظت على كلمات ضابط الشرطة الصربية ، طلب مني النهوض لأن النوم في الحديقة ممنوع ، استيقظت بصعوبة ، شعرت بألم في حلقي والتهاب حاد جدا أصابني في منطقة الحلق بسبب التعب والبرد الذي اصابني نتيجة النوم في الحديقة ليلا .

مضى يوم الاثنين بطئيا ، فقد كنت في حالة نفسية سيئة لفشل كل محاولات العبور ، وفي حالة جسدية متعبة بسبب التهاب الحلق ، أمضيت يوم الاثنين انتقل من شجرة لأخرى بحثا عن الظل والفيء هروبا من أشعة الشمس الحارة ، ولم يبق معي من المال سوى 2 يورو فقط ، استطعت شراء سندويشة ، اسندت بها جوعي طوال يوم الاثنين . 

حملت نفسي على الصبر في هذا اليوم العصيب ، مضى يوم الاثنين بكل آلامه وأوجاعه ، وجاء يوم الثلاثاء يوم الخلاص من عقدة المجر والعبور نحو النمسا ، رغم المرض والتعب وعدم وجود طعام أو دواء .

الخميس، 30 يوليو 2015

سوريا رحلة الآلام .. عبور البلقان


عندما وصلت إلى مدينة سالونيك في أقصى شمال اليونان ، تابعت طريقي مع مجموعة من اللاجئين السوريين نحو بلدة بولي كاسترو اليونانية التي تقع على مقربة من الحدود المقدونية بمسافة تزيد عن 18 كيلو متر . 

رفض موظف الحجز بمحطة قطار سالونيك ، قطع تذاكر لنا من سالونيك إلى بولي كاسترو ، بحجة أننا لاجئين ، فتشنا عن طريق آخر للوصول إلى البلدة ، اشار لنا بعض اللاجئين أن نستعين بسيارات الأجرة ، وعندما حاولنا الاستعانة بإحدى السيارات ، طرح السائق أمامنا أرقاما خيالية لنقلنا إلى البلدة التي تبعد عن موقعنا في سالونيك حوالي 50 كيلو متر .


انتابنا شعور من الإحباط واليأس ، نصحنا أحد المواطنين اليونانيين أن نذهب الى محطة الاتوبيسات في سالونيك ، لننطلق منها الى بلدة بولي كاسترو ، توجهنا الى المحطة ، واستطعنا الحصول على تذاكر سفر من موظف حجز المحطة ، وعندما حان موعد الصعود للاتوبيس ، رفض بداية سائق الاتوبيس السماح لي بالصعود ، وتذرع أن ورقة مغادرة اليونان ( الخارطية) التي أصدرتها السلطات اليونانية في كامب جزيرة خيوس لا تخولني التنقل في كافة أرجاء اليونان وخاصة في المناطق الحدودية ، طلبت من السائق أن يتفهم حالة اللاجئين السوريين ووضعنا الحرج ، صمت السائق للحظات قليلة ، ثم وافق على صعودنا للاتوبيس .



انطلق بنا الاتوبيس الى بلدة بولي كاسترو ، وعندما وصلنا البلدة بعد حوالي ساعة ونصف ، توجهنا الى مقهى البلدة للتزود ببعض الماء والعصائر الطبيعية ، عند المقهى تجمعت بعض السيارات ، كانت تنقل اللاجئين من البلدة الى قرية إفزوني اليونانية المحاذية لحدود مقدونيا . 


صعد اللاجئون تباعا الى السيارات التي كانت تقل أربعة لاجئين وكان كل لاجئ يظهر بيده ورقة المغادرة ( الخارطية) للسائق ويدفع له مبلغ 5 يورو مقابل نقله للقرية الحدودية التي تبعد عن بولي كاسترو حوالي 18 كيلو متر ، وعندما جاء دور صعودي الى السيارة ، قدمت للسائق ورقة مغادرتي ، نظر السائق للورقة وأشار برأسه بعلامة الرفض ، ثم قال إنه لا يستطيع نقلي لإفزوني ، لأن ورقتي لا تخولني الوصول إلى هذه القرية ، رغم أن جميع اللاجئين كانوا يصلون إليها عبر سيارات الأجرة ، فالسائق يريد أن يخلي مسؤوليته تجاهي ، بذريعة أنه لا يريد مخالفة القانون ، مع العلم أن السلطات اليونانية ، تعلم مسبقا أنني سأغادر اليونان باتجاه بلدان أوروبا الغربية ولن أمكث طويلا في اليونان .


لم يكن أمامي سوى المشي سيرا على الأقدام من بولي كاسترو إلى قرية إفزوني الحدودية ، وفي منتصف الظهيرة وتحت لهيب الشمس الحارق ، مشيت برفقة ثلاثة من اللاجئين السوريين الذين كان حالهم كحالي ، وقطعنا المسافة المطلوبة بحدود 5 ساعات من المشي المتواصل . 


عندما وصلت لقرية إفزوني ، شاهدت جروب كبير جدا للاجئين السوريين ، كان عناصر الجروب متجمعين بالقرب من فندق هاره الذي كان يقع في أطراف القرية ، ويعتبر نقطة انطلاق رئيسية للحدود المقدونية . 



التحقت بعناصر الجروب ، تفاجأت بالكثير من اللاجئين السوريين الذين كان معظمهم من العوائل المسيحية السورية وكذلك من الشباب الدروز السوريين ومعهم أيضا أعداد كبيرة من الاكراد السوريين ، ومثلما تفاجأت برحيلهم من قراهم وبلداتهم ، تفاجأوا أيضا بوجودي بينهم ، فالكثير منهم لم يكن يتوقع يوما أنني قد أكون بينهم في مثل هكذا رحلة قاسية .


انطلقنا جميعا نحو الحدود المقدونية جنبا الى جنب ويدا بيد خوفا من هجوم قطاع الطرق علينا لسلبنا أموالنا وأمتعتنا ، خلال الطريق تناقشت مع الكثير من الشباب السوريين من المسيحيين والدروز والكورد حول مستقبل سوريا ، وعن دور نظام الاسد في ترحيل المكونات الأساسية للشعب السوري رغم إدعائه الكاذب بحماية المكونات السورية من الإرهاب .


وبعد أن مشينا من قرية إفزوني الى نقطة الحدود المقدونية حوالي 4 ساعات من المشي المتواصل ، وصلنا مع حلول الظلام  ﻷول سكة قطار مقدونية ، وعند السكة ، أوقفنا عناصر الجيش المقدوني ، وطلبوا منا الجلوس أرضا وإحصاء عددنا وتقسيمنا إلى ثلاث مجموعات . 


أوعز إلينا ضباط الجيش المقدوني أن نستريح في الغابة المحاذية لسكة القطار ، وأن ننتظر لصباح اليوم التالي ، حتى يسمح لنا بالمرور فوق سكة القطار والوصول الى بلدة جفجيليا المقدونية ، أمضيت الليل في الغابة برفقة اللاجئين السوريين ، وعندما شعرت بالتعب ، لم يكن بوسعي سوى النوم في أرض الغابة كما فعل الكثير من اللاجئين السوريين ، الذين افترشوا أرض الغابة من شدة التعب والإرهاق بعد يوم كامل من المشي الطويل عبر البلدات اليونانية .  


في الصباح الباكر ، انتظرنا إشارة العبور من الجيش المقدوني ، وما أن أشرقت الشمس واقتربت من الظهيرة ، حتى سمح لنا بدخول مقدونيا ، مشينا فوق سكة القطار مسافة 2 كيلو متر حتى وصلنا محطة قطار بلدة جفجيليا المقدونية .


جلسنا ننتظر في المحطة وصول القطار الذي سينقلنا نحو المقدونية - الصربية ، كانت تعليمات السلطات المقدونية أن يحصل اللاجئون على ورقة مغادرة قانونية من مركز الشرطة في محطة قطارات بلدة جفجيليا . 


انتظرت يوما كاملا في محطة القطارات للحصول على ورقة المغادرة من السلطات المقدونية ، رغم أن الكثير من اللاجئين لم يكترثوا بالحصول على هذه الورقة ﻷن دخولهم مقدونيا مجرد طريق عبور للوصول الى صربيا ، وعندما حصلت على ورقة المغادرة ، صعدت في مطلع الفجر الى القطار الذي كان يعج باللاجئين السوريين وبعض الجنسيات الأخرى ، وكان مشهد التدافع والتزاحم على صعود القطار ، اشبه بخلية النحل .


انطلق بنا القطار من بلدة جفجيليا إلى بلدة كامانوفا ، كانت المسافة بين البلدتين المقدونيتين حوالي 200 كيلو متر ، ومن كامانوفا تابعنا مسيرنا نحو بلدة لوجيان الحدودية مع صربيا ، وقبل دخولنا صربيا تفرق اللاجئون السوريون الى مجموعات صغيرة ، كل مجموعة اختارت طريقها ، مجموعتنا كانت مؤلفة من ثلاث نساء وخمسة أطفال وثلاثة رجال ، وعند خروجنا من بلدة لوجيان المقدونية ، اختلط علينا الأمر بين حدود مقدونيا وكوسوفا ، اخترنا المشي باتجاه الجبل ، وإذ بنا ندخل حدود كوسوفا ، وقد ظهر لنا أننا في الطريق الخاطئ عبر اشارة الجي بي أس ، عدنا إلى الطريق العام الفاصل بين حدود مقدونيا وصربيا وكوسوفا ، ثم سرنا بمحاذاة الجبل دون الصعود إليه والتوغل فيه كثيرا ، حاولنا التواري عن أنظار البوليس الصربي  إلى أن دخلنا بلدة ميراتسو الصربية ذات العرقية الألبانية . 


استقبلنا أهالي البلدة بالترحاب وقدموا لنا بالتعاون مع الصليب الأحمر بعض الماء والطعام ، وطلبوا منا السير نحو الكامب في بلدة بريشيفو للحصول على الأوراق القانونية ، كالتي حصلنا عليها في اليونان ومقدونيا . 


بعد استراحة قصيرة في بلدة ميراتسو انطلقنا نحو بلدة بريشيفو كان الازدحام كبيرا في كامب بلدة بريشيفو واضطررنا للنوم أمام ارصفة المحلات والبيوت واثناء نومنا أمطرت علينا السماء فاضطررنا لحمل فرشاتنا بحثا عن مكان للنوم وفي اليوم التالي انطلقنا بالقطار من بلدة بريشيفو الى العاصمة بلغراد ، ومنها انطلقنا بالاتوبيس إلى بلدة كانيجا الصربية الحدودية مع المجر ، لتنتهي رحلة عبور بلاد البلقان وتبدأ رحلة عبور حدود المجر "خط الدفاع الأول" عن بلدان أوروبا الغربية .


الثلاثاء، 28 يوليو 2015

مشهد محرج محذوف لنجمة البورنو رغدة

إباحة الجنس في سوق الفتاوى بين شيوخ السنة ومراجع الشيعة تقرير مهم وخطير ...

بعد منعه لثلاث مرات ( الجنس المستباح عند العلويين والشيعة ) وثائقي خطير ...

طبيبة إسرائيلية تحرج ملايين العرب والمسلمين

الأحد، 26 يوليو 2015

سوريا رحلة الآلام .. عبور البحر نحو اليونان

في صباح يوم الثلاثاء الموافق للسابع من شهر يوليو ، انطلقنا على متن قارب مطاطي (بلم ) طوله 9 أمتار وعرضه حوالي مترين ، وكان عددنا أربعين رجلا وامرأة وخمسة عشر طفلا . 

بدأت رحلتنا بتدريب المهرب التركي لشاب سوري من اللاجئين يدعى عبودي لقيادة القارب المطاطي ، لأن المهرب لا يشارك بمثل هكذا رحلة خطيرة ، ودوره ينتهيعند جلوس اللاجئين على متن القارب ، لأنه في حال إلقاء القبض على المهرب سيحاكم بجناية تهريب البشر التي تصل مدة محكوميتها بالسجن بحسب القوانين الدولية من 7 إلى 15 سنة . 


في تمام الساعة الثامنة صباحا صعد اللاجئون تباعا إلى القارب المطاطي وهم في حالة رهاب وخوف ، وجميعهم ارتدى سترة الإنقاذ في حال حصول الغرق . 


صعدت آخر شخص إلى القارب ،بمبادرة شخصية مني حتى تأكدت أن الكل صعد ، ولتفضيل صعود  النساء والأطفال والرجال على صعودي ، فسبب وجودي هنا مشاركة الشعب السوري مأساته ومعاناته ولأسير معه في رحلة الآلام وصولا للحرية والسلام المنشود .


بدأ القارب المطاطي يشق عباب بحر إيجه من جزيرة جشمه التركية نحو جزيرة خيوس اليونانية التي تبعد حوالي عشرين كيلو متر بات الارتباك واضحا على وجوه اللاجئين في نصف الساعة الأولى من موعد الانطلاق ، وبدأ النساء والأطفال يستفرغون ما في بطونهم من طعام وشراب بسبب اصابتهم بدوار البحر ، رغم أننا لسنا في بحر مفتوح ، لكن رهبة البحر الموت تدفع الإنسان للتقيؤ في مثل هكذا حالات. 


وعند اقترابنا من المياه الأقليمية اليونانية ، تنفس اللاجئون السوريون الصعداء ، وبدأ السائق عبودي يشجعهم على الغناء ، ويرسم في مخيلتهم روعة اليونان وحنانها عليهم كلاجئين ، وراح الجميع يغني بشكل لا شعوري اغاني من التراث الشعبي السوري ، لطرد الخوف من النفوس ،ففي أسوأ الحالات لو اقتربت منا قوات خفر السواحل اليونانية ،ستقوم إما بمحاصرتنا لدفعنا للتراجع إلى المياة التركية ، أو ستقوم بإنقاذنا وسحبنا إلى الشوطئ اليونانية في حال تعاطفت معنا وقررت مساعدتنا من دون مضايقات . 


 ولحسن حظنا لم تعترضنا قوات خفر البحرية اليونانية ، ولم تتحرك باتجاه قاربنا المطاطي ، رغم أننا كنا قبالة جزيرة خيوس ، وبمواجهة منازل اليونانيين ، وقبل وصولنا الشواطئ اليونانية بحوالي 4 كيلو متر ، تعطل محرك القارب المطاطي ، ولم يعد يعمل بسبب طول ساعات الإقلاع التي أرهقت المحرك ،وقد تعدت ساعات عمل المحرك حوالي ساعتين ونصف الساعة .


وفي العادة تتعطل أغلب محركات القوارب لأن المهربين لا يضعون محركات ذات قدرة تشغيلية عالية ، بل يستخفون بحياة اللاجئين ، ويضعون محركات صينية بنوعية رديئة . 


عندما توقف القارب وسط البحر سدت حالة من الرعب والخوف في نفوس اللاجئين السوريين ، وخلال بضعة دقائق ، قام أحد اللاجئين بإعادة تشغيل المحرك ، اشتغل المحرك لأول مرة ولكن دون أن يسير القارب خطوة واحدة ، اعدنا المحاولة لمرة ثانية ، فاستجاب المحرك وانطلق القارب نحو الشاطئ ، وقبل وصولنا الشاطئ اليوناني ، ارتفعت أيادينا للأعلى بإشارات التحية للمواطنين اليونانيين ، وعند وصولنا رمال الشاطئ،  نزلنا جميعا ، وتوجهنا للشرطة اليونانية لتسجيل دخولنا بشكل قانوني .





التقينا في طريق صعودنا لأعلى الجزيرة بضابط يوناني من قوات البحرية اليونانية ، قام بتسجيل اسماءنا بدءا من الأطفال فالنساء ثم الرجال ، وأحضرت لنا الشرطة اليونانية ماء للشرب لحين وصول الباص إلينا ، وعند وصول الباص ، تم نقلنا إلى كامب الجزيرة المخصص لإيواء اللاجئين بشكل مؤقت لحين تخليص الإجراءات القانونية . 


وصلنا إلى الكامب بعد حوالي نصف ساعة من انطلاق الباص ، كان الكامب عبارة عن سفح جبل مرتفع عن سطح البحر ، وقبل دخولنا للكامب ، سلمنا أجهزة الاتصالات الخليوية لعناصر الأمن اليوناني ، ودخلنا إلى باحة الكامب التي بدت ممتلئة بالنفايات ومخلفات الطعام  نتيجة تكدس أعداد كبيرة من اللاجئين من جنسيات مختلفة في المكان الضيق . 


كانت غرف الكامب عبارة عن مهجع عسكري ، لا يوجد فيها حمامات صالحة للاستخدام ، وكانت أغطية الأسرة متسخة وليست نظيفة ، رغم أن الكامب في أيام افتتاحه الأولى قبل حوالي ثلاث سنوات كان في أحسن حالاته ، مقارنة بحالته المتدهورة اليوم .


وبعد دوراني في مختلف أجنحة الكامب ، عثرت أخيرا على غرفة صغيرة تتسع لثلاثة أشخاص ، لا يوجد فيها حمام ولا كهرباء ، لم يكن فيها سوى صنبور (حنفية) ماء للغسيل ، وكانت هناك الكثير من العوائل السورية لم تستطيع النوم في غرف الكامب لأن الغرف لم تتسع لجميع اللاجئين الوافدين . 


كان طعام الكامب عبارة عن وجبتين في اليوم الواحد ، غداء وعشاء ، وجبة الغداء كانت عبارة عن طبق أرز مع قطعة لحم دجاج ورغيف خبز  ، أما وجبة العشاء كانت عبارة عن طبق معكرونة مع زجاجة ماء . 


في اليوم الثاني من دخولنا الكامب ، اتممنا كافة الإجراءات القانونية التي شملت تصويرنا وتبصيمنا وانتهت الاجراءات ، بمنحنا ورقة طرد ( خارطية ) مدتها ستة أشهر ، خلال هذه الفترة نستطيع الإقامة في اليونان بلا مشاكل ، وبعد انقضاء المدة ، نصبح مطالبين بالحصول على الإقامة ، لكن أغلب اللاجئين يغادرون اليونان في اليوم التالي كما حصل معنا ، حيث قررت المغادرة إلى أثينا بالباخرة ومنها إلى سالونيك بالقطار ، لتبدأ بعدها رحلة الدخول إلى مقدونيا .

الجمعة، 17 يوليو 2015

سوريا رحلة الألم على طريق الأمل


كان يوم السابع من يوليو الجاري ، فصل جديد من فصول المأساة الطويلة التي يعيشها الشعب السوري مع بداية انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد في منتصف مارس 2011 .
ففي هذا اليوم عزمت الانطلاق نحو اليونان ، كأحد أهم المحطات الرئيسية في رحلة الشتات والتيه التي كنت قد بدأتها من سوريا إلى مصر قبل تسع سنوات ، وها هو اليوم تتكرر رحلة الشتات من جديد ولكن هذه المرة نحو اليونان ، كمحطة أولى ، تليها محطات أخرى سأكتب عنها بكل أحداثها وتفاصيلها .
فبعد استنفاذ كل السبل والطرق في السفر القانوني نحو أوروبا ، نتيجة مماطلة بعض الدول بسبب البيروقراطية والروتين وعدم تقديرها الإنساني لحالتي كناشط سياسي وإعلامي معارض لنظام الأسد الديكتاتوري ، وبعد أن ماطلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة في تحريك ملفي لديها نحو الدول الكبرى التي تستقبل طلبات توطين الناشطين والمعارضين السياسيين ، قررت السير في الخيار الأخير ، بكل ما يحمله من أوجاع ومتاعب ومخاطر ، لأقاسم الشعب السوري مأساته ومتاعبه ولأشاركه رحلة الشتات والألم ، ولأشعر بآلام أطفال سوريا التي يخفق قلبها خوفا وجزعا ، أثناء الإبحار فوق أمواج البحر بعد أن خفقت قلوبهم رعبا من الصواريخ والقنابل وبراميل بشار الأسد التي دمرت بيوتهم وحطمت أحلام براءتهم .
في هذا اليوم العصيب كنت واحد من المواطنين السوريين الهاربين من جحيم المحرقة الأسدية ، وأسقطت عن نفسي كل الأوسمة والرتب والشهادات ، وقررت أن أكون واحدا من اللاجئين السوريين أقودهم نحو الأمل ويقودونني نحو الألم كما قاد موسى شعب إسرائيل قبل آلاف السنين من العبودية إلى الحرية .
الشعب السوري في محنته ومأساته أصبح كالجريح الذي يحتاج لمن يضمد جراحه ويحرص على رفع معنوياته بالخلاص والانعتاق من الظلم والقهر ، فلم يدع وسيلة للهروب من المحرقة الأسدية والجحيم الأسود ، إلا واستخدمها سواء بالبحر المتوسط أو مشيا بالغابات لمسافات طويلة أو باللجوء نحو بلدان الجوار السوري .
بدأت رحلة الألم من مدينة استانبول إلى مدينة أزمير على شواطئ بحر إيجه المحاذي للجزر اليونانية ، استغرق الطريق من اسطنبول لأزمير في الاتوبيس حوالي 10 ساعات ، وعند الوصول لأزمير ، بدت حشود اللاجئين السوريين تملأ ساحات وطرقات المدينة التي لم يكن يعرفها إلا القلائل من الشعب السوري قبل بدء الحرب .
عند الوصول لأزمير توجهت إلى ساحة ميدان بصمني الذي يقع في وسط المدينة القديمة بأحيائها العتيقة ، والتي اكتظت فنادقها الشعبية بآلاف اللاجئين السوريين الذين ينوون الانطلاق نحو اليونان .
فضلا عن وجود المقاهي والمطاعم التركية التي تحولت بشكل آلي لمطاعم سورية بواجباتها السريعة التي تقدمها للاجئين السوريين على عجل لاستمرار تدفقهم اليومي نحو ميدان بصمني .
بعد الوصول إلى ميدان بصمني بدقائق قليلة ، بدأت رحلة البحث عن سمسار أمين أو ما يعرف بين اللاجئين باسم (المهرب ) وغالبا ما يكون هؤلاء السماسرة من الشباب السوريين الذين يعملون لدى السماسرة الأتراك الذين يسهلون لهم إجراءات ووسائل التهريب عبر البحر مقابل مبالغ مالية ضخمة يقدمها اللاجئين السوريين .
ما أن جلست في المقهى حتى تكاثر السماسرة السوريين من حولي ، يعرضون خدمات التهريب السريع عبر البحر ، كنت حذرا في التعامل معهم لناحية وفائهم بعدم سرقة المبلغ الذي سأضعه لديهم بشكل مباشر ومن دون ضمانات أو سندات قانونية مكتوبة ، ولجهة وفائهم بتنفيذ الرحلة في وقتها المحدد وعدم التهرب من تنفيذها بحجج واهية ،كما يحصل مع الكثير من اللاجئين السوريين الذين يفقدون أموالهم ووقتهم مع هؤلاء السماسرة بلا طائل .
وباعتبار كوني شخصية إعلامية وسياسية يعرفها الكثير من أبناء الشعب السوري والشعوب العربية ، سواء الذين يؤيدون الثورة أو الذين يعارضونها ويقفون مع نظام الأسد ، لم يكن صعبا على السمسار أبو خليل من التعرف علي مباشرة ، لابل أنه تفاجأ عندما عرف أنني أنوي الخروج عبر البحر نحو اليونان ، فكان التعامل بيننا بمنتهى الجدية والالتزام بالوقت .

وبعد الاتفاق على كل ترتيبات الخروج بالبحر مع السمسار ، أشار لي بضرورة شراء معدات الخروج لضامن أمني وسلامتي في حال تعرض القارب المطاطي ( البلم ) لموجة عاتية أو للغرق في عرض البحر ، فلم يكن أمامي سوى الذهاب إلى محل بيع رداء النجاة ( طوافات ) وشراء عجلة هوائية التي يشتريها جميع اللاجئين السوريين في كل رحلاتهم بالبحر .
جلست انتظر في مقهى السندباد من ظهيرة يوم السابع من يوليو حتى مساء اليوم نفسه، انتظرت إشارة التحرك من أبو خليل ، وكان المقهى الشعبي قديما جدا ، يعج باللاجئين والمغادرين السوريين من الشباب والرجال كما لو كان هذا المقهى مطارا دوليا .
شعرت خلال مكوثي الطويل بالمقهى بالتعب والنعس والإرهاق الشديد والملل من طول وقت الانتظار ، الذي توزع بين السفر الأول من استانبول لأزمير والسفر الثاني من شواطئ أزمير إلى جزر اليونان ، فكان يوما شاقا طويلا لم تعرف فيه عيناي النوم لحظة واحدة .
استسلمت للنوم في المقهى ثلاث مرات ، رغم الضوضاء والضجيج والحر الشديد لكثرة الزبائن اللاجئين ، وخلال هذا الوقت الطويل تعرف إلي الكثير من اللاجئين السوريين ، وكان كل لاجئ يحمل على ظهره حقيبة صغيرة تحتوي على لباس داخلي وخارجي وأوراق ثبوتية قانونية لإثبات الشخصية أم السلطات الأوروبية .
وما أن هبط الليل وحل الظلام ، حتى وصلتني إشارة البدء من السمسار أن اتجهز للانطلاق مع اصدقائي نحو الرحلة المرتقبة ، انتظرنا وصول السمسار بضع دقائق وعند وصوله غادرنا المقهى بالمشي سيرا على الأقدام لمسافة 3 كليومتر وبشكل متباعد بين كل شخص و آخر ، حتى لا نلفت انتباه السلطات التركية ، رغم أن جميع السكان الاتراك يعرفون أننا لاجئين سوريين ، وصلنا إلى كورنيش مدينة أزمير المطل على شاطئ بحر ايجه ، أجلسنا السمسار على مقاعد الشاطئ على شكل مجموعات كل مجموعة تضم خمسة أشخاص ، وقال علينا انتظار قدوم السيارات بعد حوالي نصف ساعة كحد أقصى، وما أن وصلت السيارات حتى طلب منا السمسار بالصعود إليها ، وأخبرنا أن دوره انتهى عند هذه المرحلة وسيبدأ دور زملائه السماسرة الأتراك في المحطات القادمة كل بحسب اختصاصه.
صعدنا في أربعة سيارات سياحية حديثة ، وكان عدد كل مجموعة 5 أشخاص ، وانطلقت بنا السيارات بشكل عاجل نحو غابة كبيرة في أطراف مدينة أزمير .
وعند وصولنا للغابة التي بدت مظلمة بشكل كامل ولا يوجد فيها أي حركة سير أو مرور ، ولا يصل إليها إشارة بث من أبراج الاتصالات الخليوية وأصبحنا معزولين عن العالم الخارجي بشكل كامل .
نزلنا من السيارات للغابة المعتمة ، وبدأ بعض السماسرة الاتراك الذين استقبلوننا بغضب شديد في منتصف الغابة بالصراخ بأعلى صوتهم على اللاجئين السوريين وظهرت رعونتهم بشكل كبير علينا ، طلبوا منا السير في الغابة والصعود لسفح الجبل والجلوس بين أحراش الأشجار لبعض الوقت .
جلسنا ننتظر بين الأشجار ، وبدا كل شيء من حولنا هادئا ، كان الهواء باردا جدا كما لو كنا في فصل الشتاء ، وعندما طال وقت الانتظار في الغابة لمدة اربع ساعات ، استلقى الكثير من اللاجئين والأطفال على ظهورهم وافترشوا الأرض والتحفوا السماء .
نام اللاجئين على سفح جبل الغابة من شدة التعب والإرهاق ، ولم يكن بمقدوري سوى النوم والاستلقاء على الظهر ، وعند الاستلقاء كان منظر النجوم والقمر في صفحة السماء رائعا جدا ، وبدأت أفكر بالمصاعب التي تنتظرني في اليوم التالي ، وبزوجتي وأطفالي الصغار الذين تركتهم في القاهرة، بعد أن خرجت منها مكرها مرغما، بعد أن أقمت فيها في رحلة الشتات الأولى تسع سنوات نتيجة الضغوط السياسية وتغير المزاج المصري تجاه الثورة السورية ورهانه الخاطئ على نظام الاسد في الوقت الضائع .
مرت الساعات الأربع في الغابة بشكل طويل جدا ، لكثرة التفكير والقلق الذي كان يساورني في حال فشل الرحلة والعواقب المترتبة عليها ماديا ونفسيا ، فهذه آخرمحاولة وآخر خيار بعد أن أغلقت كل الأبواب .
قبل طلوع الفجر بلحظات قليلة ، وصل إلينا سمسار سوري وآخر تركي ، أخبرونا بالاستعداد للانطلاق نحو نقطة الخروج بالبحر ، استيقظ اللاجئون من نومهم وحملوا حقائبهم على ظهورهم واصطفوا في رتل طويل كما طلب السمسار ، وكان عدد اللاجئين أربعين لاجئا من الرجال والنساء وخمسة عشر طفلا ، انتظرنا بضعة دقائق نتفقد بعضنا في عتمة الليل ، وبعدها أبلغنا السمسار أننا جاهزون للانطلاق .
فتح السمسار باب الحافلة المغلقة وطلب منا الصعود إلى الحافلة بسرعة ، كانت الحافلة عبارة عن سيارة نقل مغلقة تشبه سيارة الإسعاف طولها ثلاثة أمتارونصف وعرضها مترين ، طلب المهرب من النساء والأطفال بالصعود أولا وبعد ذلك صعد الرجال ، تجمعنا داخل الحافلة التي لا تتسع لأكثر من عشرين شخص بأحسن الأحوال ، وهي مخصصة أصلا لنقل البضائع وليست مخصصة لنقل الأفراد ، أغلق باب الحافلة بعصبية زائدة ، كنا متكدسين داخل صندوق الحافلة ، كان الصندوق ضيق جدا ومعتم ولم يكن داخل الصندوق سوى نافذة صغيرة للتنفس أعلى سقف الصندوق .
انطلقت الحافلة بسرعة كبيرة في طرقات وعرة لبعض الوقت وبعدها بقليل انتقلت لطريق معبد بالإسفلت ، لم نكن نشاهد الطريق لأن الرؤية كانت محجوبة عنا ، لكننا كنا نشعر بالطريق من كثرة المطبات التي كنا نتلقاها داخل الحافلة .
خلال سير الحافلة من الغابة إلى نقطة الخروج بالبحر الذي استغرق حوالي ساعتين ونصف ، أصيب الكثير من الشباب والاطفال والنساء بالدوار والغثيان والتقيؤ نتيجة الحر الشديد ونقص الاوكسجين داخل الصندوق ، بدأ الشباب من حوالي يتساقطون واحدا تلو الآخر ، كما لو كانوا أحجارا على رقعة الدومينو المتساقط ، بقيت صامدا مع القليل من الشباب الذين يتمتعون ببنية قوية ، قمنا بإسعاف المصابين داخلالصندوق من خلال رفعهم للأعلى نحو النافذة الهوائية أعلى سقف الصندوق أو من خلال رشالماء على وجوههم وإعطائهم قليلا من الماء للشرب واستعادة توازنهم المفقود .
لم يكن سائق الحافلة التركيالذي يعمل مع شبكات التهريب يستجيب لندائنا بالتوقف وفتح باب الصندوق للتهوية والتقاط اللاجئين لأنفاسهم وجعلهم يستريحون قليلا من التعب في أضلاعهم وعظامهم التي تربعت من التكدس الشديد .
بدأ صراخ اللاجئين يعلو داخل الحافلة فما كان من السائق التركي إلا أن أوقف الحافلة ، ظننا للوهلة الأولى أننا وصلنا للنقطة ، فرحنا كثيرا ، لكن فرحتنا لم تدم طويلا ، حتى فتح السائق باب الصندوق وقال بغضب شديد ، اسكتوا واصمتوا ولا أريد أن اسمع ضجيجكم وأصواتكم داخل الصندوق ، لأنني سأمر من مكان قريب من وجود الجندرما ( قوات حرس الحدود التركي ) وإذا لم تصمتوا سيمنعنا الجندرما من المرور ، كنت قريبا من باب الصندوق ، وبدا الكلام موجها إلي بشكل مباشر ، فأومأت برأسي للسائق أننا موافق لكلامه .
انطلق السائق مسرعا بشكل جنوني ، وبعد حوالي 20 دقيقة وصلنا إلى النقطة المطلوبة ، نزل السائق من الحافلة ، وفتح باب الصندوق ، وطلب منا النزول بسرعة ، نزلنا نلتقط أنفاسنا من شدة التعب والإرهاق ، ثم أشار لنا النزول بسرعة سيرا على الأقدام في وداي عميق في نهايته توجد نقطة الخروج على البحر .
سرنا في وادي عميق ، وهو عبارة عن مجرى نهر جفت مياهه وانقطع جريانه ، وبدا أنه كان يصب سابقا في البحر ، وكان يحيط بالوادي العميق هضاب جبلية مكتظة بالأشجار والنباتات .
بعد حوالي عشر دقائق من سيرنا في الوادي ، ظهرت لنا مياه البحر وقبالتنا ظهرت جبال جزيرة كيوس اليونانية على بعدحوالي عشرين كيلو مترا .
عند وصولنا للنقطة المطلوبة ، ظهر لنا السماسرة الاتراك يقومون بنفخ القارب المطاطي وتجهيز محركه لنقلنا إلى جزيرة كيوس ، طلب السمسار منا الجلوس أرضنا بين حرش الأشجار المحاذية لمياه البحر ،  وعدم الوقف لئلا نكشف أنفسنا لقوات الجندرما التركية ، بدأنا بتجهيز أنفسنا وقمنا بارتداء طوافات الانقاذ وتجهيز العجلات الهوائية للأطفال .
 عندما أصبح القارب المطاطي جاهزا بعد دقائق قليلة وأصبحنا على أتم الاستعداد للانطلاق خلال زمن قصير ، بدءنا بالصعود سريعا على متن القارب المطاطي ،  لتبدأ رحلة الألم نحو الأمل ، رحلة الخوف والهروب من الجحيم التي سأسرد تفاصيلها في الحلقة القادمة بكل أحداثها وتفاصيلها .

الجمعة، 26 يونيو 2015

تهيؤ إقليمي ودولي لاقتراب المعارك من دمشق بعد .. ؟؟ وخطة اليوم التالي بدأت !!




ثائر الناشف

حالة كبيرة من القلق تنتاب الأوساط الإقليمية والدولية المحيطة بسوريا أو تلك التي تتابع تطورات المشهد الدرامي وتداعياته المحتملة على مستقبل المنطقة .
فمع كل تقدم تحققه قوات الجبهة الجنوبية في درعا ، يزداد طوق الخناق على نظام الأسد ، ويزداد القلق الإقليمي والدولي وتزداد تساؤلاته العميقة عن اليوم التالي الذي سيعقب سقوط نظام الأسد وربما فراره إلى الساحل .
المعارك الدائرة في درعا ، بحسب العديد من المصادر الدولية المتابعة للمشهد السوري بكل تفاصيله الدقيقة منذ سنوات ، بل والمنخرطة  بشكل أو بآخر في رسم مآلات المشهد السوري خلال الفترة الراهنة ، هي المعارك الفاصلة والحاسمة ، أكثر من تلك المعارك التي تشهدها مدن الشمال السوري والتي تحولت المعارك فيها لمعارك استنزاف متبادل بين المليشيات الأجنبية وقوات المعارضة بمختلف فصائلها .
وثمة أسباب سياسية وعسكرية عديدة  تنذر باقتراب الخناق من عنق نظام الأسد ومن أبرزها :
1-   رفض نظام الأسد بدعم من حلفائه الإيرانيين والروس لأي صيغة مقترحة للحل السياسي وتفضيله للخيار العسكري على حساب كل الخيارات الأخرى .
2-   توفر مناخ عربي رافض للتدخل الإيراني في المنطقة العربية بدأ في اليمن وبدأت تمتد تأثيراته النسبية نحو سوريا .
3-   تغير معالم وملامح الجغرافيا السياسية للعديد من المدن والمقاطعات السورية بسبب الحرب القائمة ، أنهى حالة التردد الكبير التي أصابت العديد من الأوساط الدولية التي لم تستطيب فكرة سقوط  نظام الأسد إلا بنشوء ستاتيكو جديد .
4-   الانهيارات الكبيرة التي تعرض لها نظام الأسد في جبهات الشمال السوري مؤخرا .
5-   انشغال قوات حزب الله في معارك جرود القلمون زاد من الضغط الكبير على ميليشيات المرتزقة الأجانب ( المليشيات الطائفية ) في درعا إلى جانب قوات نظام الأسد .
6-    انهاء حالة الشرذمة  لقوات المعارضة من خلال اصطفاف كبرى الفصائل وتجمعها في جبهات موحدة كما هو قائم في درعا من خلال قيادة عمليات الجبهة الجنوبية  .
ولعل الشيء الأهم في التهيؤ الإقليمي والدولي لاقتراب المعارك من دمشق التي كانت حتى الأمس خطاً أحمراً لا يجوز الاقتراب منه أو حتى  مسه ، أنه بات مطمئنا بدرجة كبيرة إلى ماهية قوات المعارضة في جنوب سوريا ( ثوار / جيش حر ) والتي أخذت على عاتقها شق الطريق مباشرة نحو دمشق من خلال إطلاقها لعمليات عاصفة الجنوب .   
قيادة الجبهة الجنوبية في درعا 
كل السيناريوات باتت مطروحة مع ازدياد الخناق على عنق رأس نظام الأسد ، وخطة اليوم التالي أصبحت معدة من الآن لرسم ملامح سوريا الجديدة ، سواء كانت ذاهبة نحو التقسيم المؤقت كما تشير وقائع العمليات الحربية على الأرض في شمال وسط وشمال شرق سوريا ، أو كانت ذاهبة نحو التقسيم الدائم من خلال تثبيت خطوط التماس الراهنة بجعلها خطوط  تماس دائمة في وسط  وشمال غرب سوريا .
الأمر الأكيد الذي لن تذهب إليه سوريا هو الحل السياسي رغم أنه لازال مطروحا حتى الآن ، لكنه ككرة القدم التي تتقاذفها الأرجل في ملعب الدم والحرب .

  

الخميس، 25 يونيو 2015

من هو الخميني ؟!

تحرير : ثائر الناشف 
ولد روح الله موسوي في مدينة خمين بإيران عام 1902 ، مارس نشاطاته السياسية والدينية في العراق عندما كانت إيران تحت حكم الشاه ، وشلكت نشاطاته استياء السلطات العراقية في عهد الرئيس أحمد حسن البكر .

في مطلع السبعينات غادر العراق إلى أوروبا واستقر في العاصمة الفرنسية باريس حتى عام 1979 ، عاد بعدها  إلى طهران على متن إحدى الطائرات الفرنسية ، بعد أن قاد انقلابا أطاح بحكم شاه إيران .

ومع بداية تسلم الخميني السلطة في إيران ، أعلن قيام جمهورية إيران الإسلامية ، وشن حملة تصفية لخصومه السياسيين الذين شاركوه الانقلاب .كان وصوله للسلطة بداية الإعلان عن انطلاق العلميات الإرهابية التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط ، ابتداء من احتلال السفارة الأميركية في طهرن عام 1979 وتم في العملية خطف 53 دبلوماسيا أمريكياً وحارساً كرهائن في السفارة لمدة 444 يوماً.

وما أن استتبت  الأوضاع السياسية في إيران ، حتى  أعلن الخميني الحرب على الدول العربية ابتداءا من العراق بذريعة تصدير الثورة الإسلامية ، فدخل العراق حربه الوجودية مع الخميني لمدة ثمان سنوات ، كانت كلفة الحرب هي الأعلى في تاريخ الحروب الحديثة ، حيث استنزفت أكثر من 500 مليار دولار من ميزانية البلدين وبلغت خسائها البشرية أكثر من مليون قتيل فضلا عن أعداد الجرحى والأسرى .

لم تتوقف مغامرات الخميني عند العراق بل تعدتها إلى دول عربية أخرى ، حيث أطلق العنان لتشكيل الخلايا السرية والميليشيات الطائفية لتكون ذراعه الضاربة في تهديد أمن واستقرار الدول العربية كما هو الحال  في لبنان والعراق وبلدان الخليج العربي .

ومن أبرز المليليشات الطائفية التي ساهم الخميني بتأسيسها وتدريبها في إيران ، الحرس الثوري ، وفيلق القدس ومنظمة الباسيج وجيمعها داخل إيران ، أما خارجها فقد أسس حزب الدعوة ومليشيا بدر في العراق وحركة أمل وحزب الله في لبنان وحركة الحوثيين في اليمن تسبب نظام الخميني الديني في نشوب حروب عديدة في الدول المحيطة بإيران ، كالحرب بين أرمنينا وأذربيجان حول أقليم كاراباغ ، والحرب الاهلية في أفغانستان بين فصائل الشمال والجنوب ، فضلا عن توفير ممرات وشبكات طرق آمنة لتنظيم القاعدة في تنقلاته بين أفغانستان والعراق وسوريا .

أصدر الخميني مع بداية وصوله للسلطة في إيران كتابا بعنوان " الحكومة الإسلامية " ويعتبر هذا الكتاب حجر الزاوية لنظام الملالي الذي أسسه الخميني وأبرز ما قاله في الكتاب : 

يشعر الناس بالخسارة بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأضرابه ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام

ومن أبرز الحروب التي خاضتها إيران في عهد الخميني وما تلاه : 

   1- حربها ضد العراق من عام 1980 لغاية 1988 
   2-  حربها في سوريا من عام 2011 لغاية الآن 
   3-   حربها في اليمن من عام 2006 لغاية الآن

 أما البلدان التي احتلتها إيران في عهده وما سبقه وتلاه :
    1-   دولة الأحواز العربية منذ عام 1925
    2-   جزر الإمارات العربية المتحدة طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى
    3-   أجزاء من مياه شط العرب
    4-   الجمهورية العربية السورية منذ عام 2005
    5-   جمهورية العراق منذ عام 2003
    6-   الجمهورية اللبنانية منذ عام 1985
   7-   جمهورية اليمن عام 2014
   8-   الهيمنة على بحر قزوين وحرمان الدول المشاطئة من نيل حقوقها المائية 












الأربعاء، 24 يونيو 2015

من هو سيد قطب ؟!

تحرير : ثائر الناشف 

ولد سيد قطب في قرية موشا وهي إحدى قرى  محافظة أسيوط   في جنوب مصرلأبوين مصريين من أصول هندية تلقى فيها تعليمه الأساسي  وحفظ القرآن الكريم ثم التحق بمدرسة المعلمين الأولية  بالقاهرة ونال شهادتها ثم التحق  بدار العلوم.

انضم إلى حزب الوفد المصري لسنوات وتركه على أثر خلاف في عام - 1942 م وفي عام  - 1950 م انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين وخاض معها ما يسمى بسنوات المحنة والتي بدأت من عام  1954 م إلى عام 1966 م 

يعتبر سيد قطب من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الحركات الإسلامية التي وجدت في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، له العديد من المؤلفات والكتابات حول " الحضارة الإسلامية، و"الفكر الإسلامي".

(في عام 1948 حصل سيد قطب على بعثة للولايات المتحدة من وزارة المعارف للتخصص في دراسة التربية وأصول المناهج ، وخلال إقامته في أمريكا كتب عددا
من المقالات عن الحياة فيها وكان أبرزها  مقال كتبه  بعنوان أمريكا التي رأيت ، يقول فيه :

شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك .

توطدت علاقة قطب بالإخوان المسلمين وساهم في تشكيل الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان. وكان سيد قطب المدني الوحيد الذي كان يحضر اجتماعات مجلس الثورة التي قام بها "الضباط الأحرار "بقيادة محمد نجيب. ولكنه سرعان ما اختلف معهم على منهجية تسيير الأمور مما اضطره إلى الانفصال عنهم.

اعتقلته السلطات المصرية بعد حادثة المنشية في عام 1954  حيث  اتهم الإخوان بمحاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر - ضمن ألف شخص من الإخوان وحكم عليه بالسجن 15 سنة .

أصدر خلال فترة سجنه كتابا بعنوان  هذا الدين والمستقبل لهذا الدين، كما أكمل تفسيره في ظلال القرآن وفي فترة اعتقاله الثانية عام 1965 أصدر كتابه الشهير معالم في الطريق الذي 
يعتبر المرجع النظري الذي اقتفت أثره الجماعات الإسلامية المتشددة في العالمين العربي والإسلامي والذي يقول فيه : 

"الأمة المسلمة موات بحاجة لبعث ، لابد من بعث لتلك الأمة التي واراها ركام الأجيال وركام التصورات وركام الأوضاع وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام ولا بالمنهج الإسلامي ".

ويعتبر مفهوم التوحيد عند سيد قطب حجر الزاوية الذي أسس عليه قواعد العمل العسكري المسلح لدى الجماعات الإسلامية ، ويتحدد مفهوم التوحيد لدى قطب في ثلاثة أبعاد : 
     1- بعدد ديني ويرتكز على توحيد الألوهية والربوبية  والأسماء والصفات.
          2- بعد سياسي يقوم على مفهوم حاكمية الشريعة.
3- بعد اجتماعي يقوم على مفهوم الجاهلية الاجتماعية .

قطب في ساحة الإعدام 
في صباح يوم 29 من شهر أغسطس لعام 1966 تم تنفيذ حكم الإعدام بسيد قطب ، ليفجر إعدامه موجة غضب عبرت عنها تيارات الإسلام السياسي من خلال التنظيمات التي تشكلت في مطلع السبعينات كردة فعل على  إعدامه.

ويعتبر قطب من الأب الروحي للجماعات الإسلامية المسلحة أو ما يعرف بالسلفية الجهادية من خلال كتاباته التي قال فيها :

"إنما الأمة المسلمة جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي وقد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا".