السبت، 30 يناير 2016

زوال الأسد وبقاء سورية

ثائر الناشف 

منذ انطلاق ثورة الكرامة السورية في 15 مارس الماضي , ولايزال بعض السوريين يتساءلون في قرارة أنفسهم , إلى أين تتجه الأوضاع في سورية?
في ضوء المعطيات الراهنة على الأرض , فإن الأوضاع في سورية تتجه نحو تغيير نظام الوريث بشار الأسد , والمؤشرات على ذلك كثيرة , أولها التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري في سبيل استعادته حريته وعزته وكرامته التي سلبت منه على مدى أربعة عقود متتالية , ثانيها التلاحم الوطني الذي ظهر في صورة المظاهرات التي جابت أرجاء الوطن السوري , فالنظام راهن على ضرب ذلك التلاحم من خلال دس عصابات “الشبيحة” في عمق المدن والبلدات والقرى , إلا أن الواقع أثبت فشل النظام في وأد ثورة الكرامة رغم اعتماده الكامل على الأجهزة الأمنية ذات الطبيعة القمعية , وبالتالي فإن الأوضاع في سورية تسير وفق ما يريده الشعب , وليس وفق ما يريده النظام .
ومما لا شك فيه, أن ثورة الكرامة, أتت رداً على سياسة القمع والاستبداد التي مارسها نظام الأسد على مدى أربعين عاماً , وكان ضحيتها الشعب السوري بمختلف أطيافه, فقد أهدرت حقوق الشعب طوال تلك السنوات, وصودرت حريته, وانتهكت كرامته, تحت ذرائع شتى وحجج واهية, أبرزها أكذوبة الصراع مع إسرائيل , ومقولة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة , والكل يعلم أن نظام الأسد يعتاش من حالة اللاحرب واللاسلم , ولذلك فإن سقوط نظام الأسد , سيعني عودة الحقوق كاملة للشعب السوري .
النظام السوري وفي ظل التطورات المتسارعة على الأرض , يعيش الآن أعلى مراحل الإفلاس السياسي , ويحاول الهروب إلى الأمام بأي ثمن , فعندما يقدم على اعتقال الأطفال والمسنين , فهذا التصرف لا يدل إلا على إفلاس كامل , وليس اجتيازاً للأزمة أو الخطر كما يشيع أركان النظام , وبالتالي ليس لدى هذا النظام الذي يستخدم الأسلحة الثقيلة لدك المدن والقرى وقتل الأبرياء العزل , أي شرعية يمكن أن يفقدها , فهو فاقد لكل الأوراق والشرعيات .
والسؤال الأهم , الذي لا يستطيع النظام الإجابة عنه , لماذا أخفقت كل دعواته في الإصلاح ? لأن الثقة بينه وبين الشعب معدومة , بل لا توجد ثقة على الإطلاق , فالنظام بدلاً من أن يشرع في بناء هذه الثقة , بنى جدرانا سميكة من الخوف والرعب في نفوس الشعب , ثم أن نظام الأسد باعتباره نظاماً ديكتاتورياً أوتوقراطياً , لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة على طريق الإصلاح , فهذا الطريق بالنسبة الى الأنظمة الشمولية, يعد طريقاً مهلكاً ولنا في تجربة الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف خير دليل على ذلك , فما دام الشعب في واد والنظام في واد آخر , لا يمكن الرهان على إصلاح يأتي من نظام غارق في الفساد .

مصير نظام بشار الأسد هو الزوال الأبدي من صفحات التاريخ, كغيره من النظم المستبدة التي قمعت شعوبها , وقبل ذاك خضوعه لمحكمة الشعب التي ستقول حكمها العادل فيه وستضعه في المكان المناسب حيث يستحق , وبالتالي لا يمكن للشعب السوري الذي يتحفز الآن لإسقاط نظام البحث , أن يقبل العيش في كنف هكذا نظام تسلطي فاقد للشرعية الشعبية والوطنية , بعد أن تمرغت يداه بدماء الشعب الثائر .



الخميس، 13 أغسطس 2015

سوريا رحلة الآلام .. عبور المجر

جاء يوم الثلاثاء الموافق 22 يوليو ، انتظرت مجموعتنا هذا اليوم بفارغ الصبر بعد فشل كل المحاولات السابقة في عبور المجر، وبقينا ننتظر في صربيا لمدة اسبوع كامل من دون جدوى ، لم نكن نعلم ان كنا سننجح في هذا اليوم أم ستمنى جهودنا بالفشل الذريع ، لكن مجرد التحرك والانطلاق نحو نقطة العبور على الحدود الصربية المجرية كان كافيا لرفع معنوياتنا المنهارة .

جلسنا ننتظر منذ الصباح الباكر في حديقة بلدة كينجازي الصربية أي اخبار جديدة من المهرب ابو داود ، مضت الساعات الاولى من دون ان يكون هناك اي اخبار حول رحلتنا الاخيرة نحو النمسا ، ما ادى الى زيادة قلق الكثير من اللاجئين الذين انتظروا لبضعة ايام في نفس الحديقة ، دفعوا اموالا للمهرب من دون أي ضمانات أو سندات مكتوبة .

بدت الساعات الأولى ثقيلة جدا ، زادها ثقلا ، مرضي المفاجئ بالتهاب حاد اصاب حنجرتي ، ما ادى الى اصابتي بزكام حاد ، لم استطيع الحصول على اي ادوية مضادة للالتهاب سوى كبسولة واحدة قدمتها لي سيدة كردية ، بدت لي كطوق نجاة . 

كانت الشرطة الصربية تتجول في أرجاء الحديقة ، تطلب من اللاجئين إبراز ورقة المغادرة التي حصلوا عليها من السلطات الصربية عند دخولهم صربيا ، كان بعض اللاجئين لا يحمل هذه الورقة (الخارطية) والبعض الآخر كان يحملها لكن صلاحيتها (72 ساعة ) انتهت ، فكان عناصر الشرطة الصربية يطلبون من بعض اللاجئين مبلغا من المال قدره 10 يورو لكل شخص لا يحمل هذه الورقة ، طلبوا مني هذا المبلغ ، لكني رفضت الدفع لأي مبلغ تفوح منه رائحة الرشوة . 

بدأ اللاجئون يتناولون طعام الإفطار والغداء من خلال شرائهم للأطعمة والمشروبات من بعض محلات البلدة ، لم اجد طعاما اتناوله في هذا اليوم ، لان المال الذي بحوزتي قد نفذ بشكل كامل ، ولم يبق معي شيئا ، سوى بضعة حبات من التمر (6 حبات ) اشتريتها من بلدة بولي كاسترو اليونانية عندما كنت في طريق العبور نحو مقدونيا .

تناولت ثلاث حبات من التمر وشربت قليلا من الماء ، وقبل موعد الظهيرة حضر المهرب ابو داود واخبرنا اننا سنخرج اليوم الى نقطة الحدود المجرية في محاولة جديدة ، تجهزنا خلال اقل من ساعة ، وفي تمام الساعة الثانية ظهرا ، انطلقنا من بلدة كينجازي الصربية الى نقطة الحدود المجرية ، مشينا حوالي ثلاث ساعات ونصف تحت لهيب الشمس الحارق ، حمل اللاجئون معهم عبوات الماء في حقائبهم ، وخلال الطريق بدأ اللاجئون يستهلكون ما عندهم من ماء ،حتى اضطر بعضهم لتعبئة العبوات من ماء النهر الراكد ، بعد ان نفذ الماء عندهم بشكل كامل . 

كانت مجموعتنا مكونة من اربعين لاجئا ، بينهم ثلاث سيدات ، والقسم الأكبر كان من اللاجئين السوريين الاكراد الهاربين من مدنهم وقراهم في شمال سوريا بسبب خلافاتهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd) ورفضهم لنظام التجنيد العسكري في ما يعرف بوحدات حماية الشعب الكردي (ypg)  اما القسم الآخر من الاكراد فكانوا من العائلات الهاربة من قراهم التي سيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية (isis) وكان هناك شبان سوريين مسيحيين هاربين أيضا من التجنيد الاجباري الذي يفرضه نظام الاسد على الشباب للزج بهم في جبهات القتال ضد أبناء الشعب السوري

وصلنا نقطة الحدود المجرية في تمام الساعة الخامسة والنصف ، لم ننتظر طويلا ، تقدم الريبر ابو زياد الى النقطة التي غرق فيها الشاب السوري قبل ثلاثة ايام ، فوجدها آمنة من البوليس المجري ، نادى لنا ان نتقدم بسرعة وهدوء وذكرنا أن نغلق أجهزة الموبايل حتى لا نكشف موقعنا لقوات حرس الحدود المجرية ، وقفنا امام نقطة النهر التي شكلت لنا عقدة كبيرة ، بعد ان فشلنا في عبورها لعدة ايام متتالية، لم يستطع المهرب ابو زياد ان يبني جسرا خشبيا بطول مترين ونصف لعبورنا مياه النهر .

نزل المهرب ابو زياد لمجرى النهر عند النقطة ، وطلب منا أن ننزل فردا فردا الى النهر ، نزل اللاجئون وخاضوا في المياه بعمق نصف متر وبمسافة مترين ونصف ، كان في نهاية المجرى تلة جبلية شديدة الانحدار والصعود ، شكلت هذه التلة بداية الحدود المجرية ، اما مجرى النهر فكان الحد الفاصل بين التلتين الصربية والمجرية . 

خضت مع اللاجئين في مياه النهر ، نجحت في حماية جهاز الموبايل من الغرق في مياه ، عندما رفعته للاعلى ، لكني فشلت في حماية اوراقي الثبوتية وبطاقات العمل من التبلل بماء النهر ، حيث كنت اضعها في حقيبة صغيرة حول خاصرتي .

عبر جميع اللاجئين مجرى النهر ، اجتزنا بصعوبة كبيرة التلة الجبلية بسبب الانزلاقات الطينية التي اصابت التلة من ماء النهر ، وهو ما حدث معي ، عندما صعدت خطوتين لاعلى التلة ثم انزلقت للاسفل نحو مجرى النهر ، لكن المهرب الذي كان يقف في منتصف مجرى النهر ساعدني ودفعني بقوة للأعلى ، مسكت التراب اليابس بيدي وقمت بالانبطاح ارضا على بطني لأثبت نفسي خشية ألا انزلق مرة اخرى ، قام احد اللاجئين بمد جذع شجرة بطول ثلاثة امتار من اعلى التلة الى اسفلها حيث كنت منبطحا على بطني ، وطلب مني ان امسك بالجذع ، مسكت به وبدأ اللاجئ يسحبني للاعلى ، وبدوري قمت بدفع اقدامي للامام . 

نجحت في الصعود لاعلى التلة ، واصبحت على الاراضي المجرية ، كانت ثيابي متسخة بشكل كامل بسبب الطين والوحل الذي اصابها ، قمت بمساعدة اللاجئين المتبقين في مجرى النهر بمد جذع الشجرة من اعلى التلة التي صعدت اليها نحو الاسفل الى مجرى النهر ، بدا التعب والارهاق على اللاجئين بسبب العبور الصعب الذي لم يكن يتوقعه احد منا ، مشينا في الغابة المجرية حوالي نصف ساعة ، اقترب منا رجل شرطة مجري ، اختبأنا بين الاشجار الكثيفة ، حاول الوصول الينا ، لكننا استطعنا الهروب استمر سيرنا في الغابة المجرية المحاذية للنهر لمدة ساعة ، وكانت الوقت قد اقترب من السابعة مساء ، كانت الشمس لاتزال ساطعة ، طلب منا المهرب ان نجلس ارضا بين الاشجار الكثيفة ، وحذرنا من اصدار اي صوت ، كانت تعليمات المهرب وخطته تقضي ان نجلس في الغابة المجرية لمدة ساعتينةونصف حتى تغيب الشمس كليا ويحل الظلام .

جلسنا ننتظر مرور الساعتين ونصف بفارغ الصبر ، بدأ اللاجئون يرشفون الماء الذي حصلوا عليه من النهر ، وكانت الحشرات الطائرة التي تنبعث من الغابة تفتك بنا وتهرش بأجسادنا المنهكة ، تناولت آخر ثلاث حبات تمر ، لأعين جسدي على مواصلة المشي بعد غروب الشمس .

غابت الشمس وحل الظلام ، طلب المهرب ان نتحرك بهدوء ، تحركنا بضع خطوات ثم وقفنا ، تحرك المهرب امامنا ، ثم طلب منا ان نخرج من الغابة ونصعد الى الطريق العام باقصى سرعة ، كان الطريق العام عبارة عن تلة ترابية معبدة بالاسفلت تشكل الحدود المجرية مع صربيا ، صعدنا اعلى التلة ثم هبطنا بسرعة كبيرة نحو الاسفل ، تغلغلنا داخل حقول المزارع المجرية ، بدأنا نمشي بين حقول الذرة وعباد الشمس لمدة حوالي ساعة ونصف ، كان هدفنا الوصول الى بلدة سجد المجرية ، حيث تنتظرنا في تمام الساعة الواحدة ليلا سيارة المهرب لتنقلنا الى النمسا .

واصلنا المشي بين الحقول المجرية بشكل متقطع ، وكنا نستريح من المشي بالجلوس داخل الحقل حتى لا نكشف وجودنا لسكان القرى الذين كانوا يبلغون البوليس عن حركة اللاجئين داخل الحقول ،  توقفنا عن المشي في تمام الساعة 12 ليلا . 

كانت اقدامنا قد اصابها التعب من شدة المشي لمسافات طويلة بين القرى المجرية والصربية ، فمجموع ما مشيناه في ذلك اليوم كان حوالي 40 كيلو مترا ، كان كاحل قدمي قد اصيب بجروح سطحية سببها الحذاء ، وكان باطن قدمي قد انتفخ الجلد وبدا على شكل فقاعات مائية .

وصلنا الى اطراف بلدة سجد المجرية ، وبدا طريق الاوتوستراد الدولي الذي يربط بين دول الاتحاد الاوروبي ماثلا امام اعيننا ، طلب منا المهرب الجلوس ارضا وانتظار قدوم الحافلة لنقلنا للنمسا ، انتظرنا حوالي ربع ساعة ، حضرت حافلة بطول ثلاثة امتار وعرض مترين تقريبا ، صعدنا جميعا الى داخل الحافلة التي كانت على هيئة عربة اسعاف ، اغلق السائق باب الحافلة وانطلق بسرعة كبيرة .

كانت الحافلة صغيرة جدا ، وغير مخصصة لنقل هذا العدد الكبير من الافراد ، تكدسنا داخلها ، لم تكن الحافلة تتسع لاكثر من عشرة اشخاص في احسن الحالات ،  كان عددنا داخلها اربعون لاجئا .

سارت الحافلة التي كنا بداخلها على طريق سريع لمدة اربع ساعات ونصف ، لم يتسن لنا رؤية الطريق ،لاننا كنا داخل صندوق الحافلة ولم نر شيئا على الاطلاق .

كانت هذه الساعات الطويلة ، اشبه بالسجن داخل قفص صغير ، وبرغم ذلك بدا الارتياح واضحا على وجوه اللاجئين الذين تجاوزوا مرحلة الخطر داخل المجر بصعودهم الى الحافلة التي كانت تسير بسرعة كبيرة في منتصف الليل دون توقف . 

كان الاتفاق مع المهرب أن نجلس داخل سيارة نقل لاربعة لاجئين فقط ، لكنه نكث بوعده وفاجأنا بهذه الحافلة التي لم تكن تصلح لنقل هذا العدد الكبير من اللاجئين الذين كانوا مجهدين من عناء يوم شاق ، كنت احتاج للنوم دقيقة واحدة ،نمت واقفا وبشكل متقطع  من شدة التعب والجوع والعطش ليوم كامل .

في تمام الساعة الخامسة والنصف فجرا توقفت الحافلة فجأة ، فتح السائق الباب وطلب منا أن ننزل بسرعة كبيرة قبل ان يحضر البوليس النمساوي ، نزلنا بسرعة من الحافلة ، التقطنا انفاسنا واستعدنا حريتنا من سجن الحافلة ، وانطلقنا نحو حقل صغير يقع خلف مطار فيينا الدولي ، دخلنا الى الحقل وتخلصنا من ثيابنا القديمة المتسخة بالوحل وارتدينا ثياب جديدة نظيفة ، وانطلق كل لاجئ نحو وجهته النهائية سواء كانت في النمسا أو نحو بلدان الاتحاد الاوروبي ، بعد رحلة طويلة حملت الكثير من الآلام والمخاطر والمصاعب .

الخميس، 6 أغسطس 2015

سوريا رحلة الآلام .. عقبة الحدود المجرية " خط الدفاع الأول عن أوروبا "

في صباح يوم الجمعة الموافق 17 يوليو ، انطلقت برفقة ثلاثة أصدقاء سوريين إلى مدينة كانيجا الصربية التي تقع على حدود المجر بمسافة 20 كيلو متر ، استغرق الطريق من بلغراد إلى كانيجا بالسيارة حوالي ثلاث ساعات ، وعندما وصلنا البلدة ، استقبلنا ابو داود وهو مهرب سوري يعمل في مجال تهريب اللاجئين من صربيا إلى النمسا . 

لم يكن بمقدوري عبور المجر لوحدي ، لأنه في حال اعتراضي من قبل السلطات المجرية ستكون هناك مشكلة كبيرة ، لأن الشرطة المجرية لا تخير اللاجئ بين البقاء في المجر أو المغادرة كما تفعل اليونان ، بل تجبره على البصم لديها في أقسام الشرطة ، وبالتالي تفقد اللاجئ حقه في الإقامة بدول الاتحاد الأوروبي ، لأن المجر تشارك دول الاتحاد اتفاقية دبلن لعام 1951 والتي لا يحق فيها للاجئ الإقامة وطلب اللجوء في أي دولة أوروبية طالما أنه بصم في دولة أوروبية أخرى .

كان الخيار الوحيد أمامي الاستعانة بمهرب يعرف الطرقات الآمنة والأقل انتشارا لقوات حرس الحدود المجرية ، جرى الاتفاق مع المهرب أبو داود الذي تعهد بإيصالنا للنمسا عبر المرور بالمجر دون وقوعنا في قبضة عناصر الشرطة المجرية ، مقابل مبلغ من المال يترواح من 1400 إلى 1800 يورو للشخص الواحد . 

مضى يوم الجمعة ، دون أن نستطيع الخروج إلى نقطة الحدود الصربية - المجرية رغم أن الاتفاق مع المهرب ابو داود يقضي بالتحرك إلى الحدود في نفس اليوم لكن المهرب تذرع أن الطريق مقفول في هذا اليوم ، وأنه لم يتلق الإشارة من رفاقه الذين يتواجدون عند نقطة الحدود ويراقبون الطريق في الصباح والمساء ، فما كان منا سوى الانتظار لليوم التالي في فندق صغير استأجره المهرب لنا لنمضي ليلتنا الأولى في البلدة .

وعندما طلع علينا يوم السبت ، طلب منا المهرب أن نستعد للانطلاق بعد الظهيرة ، أبدى جميع اللاجئين استعدادهم للخروج في هذا اليوم العصيب إلى نقطة الحدود ، كان الخوف يتملكني بشكل كبير ، أكثر مما لو كنت ذاهبا إلى قاعات الامتحان الدراسي ، أو حتى لساحات الحرب ، لأن الخطأ في العبور ، سيعني ضياع كل الأموال التي انفقت في رحلة الشتات . 

حان وقت الظهيرة ، اجتمع اللاجئون أطفالا ونساء ورجالا في حديقة البلدة ، قام المهرب بفرز اللاجئين الذاهبين إلى ألمانيا والنمسا كل على حدا ، وعندما انتهى من عملية الفرز ، قادنا إلى نقطة الحدود ثلاثة من الريبرية ، والريبر هو الشخص الذي يعمل مع المهرب ويستكشف الطرقات الخطرة بين الغابات ،وبنفس الوقت يتصدى لقطاع الطرق واللصوص الذين يعترضون قوافل اللاجئين في الطريق وسلبهم أموالهم .

كان عددنا حوالي 90 شخصا تم تنظيمنا في مجموعتين ، المجموعة الأولى باسم مجموعة النمسا ، والمجموعة الثانية باسم مجموعة ألمانيا ، مشينا سيرا على الأقدام من بلدة كانيجا إلى نقطة الحدود المجرية حوالي ثلاث ساعات ونصف بمسافة تقدر بعشرين كيلو متر ، وأثناء مسيرنا صادفنا مجموعات متفرقة للاجئين سوريين كانوا يسيرون لوحدهم دون أن يكون معهم مهرب . 

قبل وصولنا نقطة الحدود ، حدث اشتباك بين لاجئين سوريين وقطاع طرق من جنسيات أخرى ، سمعنا أصوات النساء تعلو عاليا من مكان لا يبعد عنا كثيرا ، ركض الريبرية نحو موقعة الاعتداء ، وتدخلوا بشكل عاجل لردع قطاع الطرق الذين أشهروا أسلحتهم البيضاء والنارية بوجه اللاجئين العزل ، نجح الريبرية السوريين الذين يتمعتون بشجاعة قوية في ردع قطاع الطرق وحماية اللاجئين الذين كانوا يسيرون لوحدهم .

عند وصولنا نقطة الحدود ، اختبأنا بين الأشجار الكثيفة ،تقدم أحد الريبرية لاستكشاف نقطة العبور ، وعندما وجدها خالية من عناصر البوليس المجري ،اتصل عب الهاتف بزميله الذي كان برفقتنا وأعطاه الضوء الأخضر لعبورنا ، وقبل أن نتحرك ، طلب منا الريبر أن نغلق أجهزة الهواتف النقالة قبل دخولنا الأراضي المجرية ، لأن البوليس المجري يمكن أن يحدد موقعنا عبر رصد إشارة البث التي ترسلها هواتفنا النقالة . 


تحركنا نحو نقطة العبور ، كانت النقطة عبارة عن مجرى نهر صغير متفرع من نهر الدانوب ، وضع المهرب سلما خشبيا صغيرا فوق مياه النهر لمساعدة اللاجئين في العبور ، اصطف اللاجئون عند السلم ،عبرالأطفال والنساء أولا ، ثم جاء دور الرجال ، عبر قسم من الرجال للضفة الأخرى ، وعندما جاء دوري بالعبور ، كان عناصر البوليس المجري قد اقتربوا منا ، فلم يكن باستطاعتي المجازفة بالعبور ، لأن في ذلك مخاطرة كبيرة جدا ، تراجعت إلى الوراء مع حوالي ثلاثين شابا ، وركضنا مسرعين باتجاه الغابة الصربية ، سمعنا أصوات البوليس المجري ينادوننا أن نأتي إليهم ولا نخاف ، لكننا لم نستجب لهم .

نجح النساء والأطفال وبعض الرجال في العبور نحو المجر وساروا في غاباتها بضع ساعات ، ثم نقلهم المهرب بسيارته من المجر  إلى النمسا ،أما نحن فكان الفشل والإحباط من نصيبنا ، وبعد لحظات قصيرة من جلوسنا في الغابة الصربية ، حاولنا مرة أخرى الوصول إلى ضفة النهر ، وإعادة المحاولة من جديد ، لكننا فشلنا للمرة الثانية ، لأن عناصر البوليس المجري انتشروا بكثافة حول النهر بعد أن كشفوا عبورنا الأول ، لم نفقد الأمل ، أعدنا المحاولة بعد مرور ثلاث ساعات على المحاولة الأولى ، كانت الغابة تعيش في ظلام دامس ، والوقت أصبح متأخرا في منتصف الليل ، وعندما وصلنا إلى مجرى النهر تفاجأنا بوجود البوليس المجري في مثل هذه الساعة المتأخرة ، وأصبح ينادينا باللغة العربية : مرحبا سوري مرحبا ، وبالانكليزية هل بإمكانك أن تثق بي ، تراجعنا إلى الوراء وانسحبنا نحو الغابة الصربية ونحن في حالة إحباط كامل . 

لم يكن بمقدورنا العودة إلى بلدة كانيجا لأن المسافة بعيدة جدا ، والوقت كان متأخرا والمخاطر كبيرة جدا ، ومن شدة التعب نمنا على أرض الغابة ، ولم يكن معنا سوى القليل من الماء ، اضطر بعض اللاجئين للشرب من مياه النهر الراكدة وغير الصالحة للاستعمال وكانت الغابة تعج بالحشرات الطائرة والزاحفة التي كانت تفتك بأجسادنا وتسرق النوم من عيوننا.



طلع علينا فجر يوم الأحد  دون أن استطيع النوم طوال الليل ، كان اللاجئون نائمين في الغابة رغم الصعوبات الكبيرة ، شاهدت سيدة تقترب نحو الغابة ، كانت تحمل بيدها سلة ، مشيت باتجاهها لأعرف ماذا تريد منا في هذا الوقت ، قدمت لي ثلاث عبوات من الماء الصالح للشرب،  تحدثنا إلى بعض بالإنكليزية رحبت بي وعرفت بنفسها وقالت لي أنا مونيكا من المجر ، أخبرتني أن أبلغ اللاجئين السوريين أن يسلموا أنفسهم للبوليس المجري ، لأن البوليس ينتشر بكثافة في كافة أنحاء الطريق ، وأنه بإمكان اللاجئين أن يبصموا لدى السلطات المجرية وبعد ذلك يستطيعون مواصلة طريقهم إلى المانيا ، أخبرتها أننا لا نريد البصمة في المجر لأن ذلك سيحرمنا من طلب اللجوء في بلدان الاتحاد الأوروبي .

وفي منتصف يوم الأحد ، كان الجو حارا جدا في الغابة ، اقترح الريبر أن ارافقه إلى شاطئ النهر ، كان الريبر ورفاقه يعرفونني جيدا بحكم تواجدي في وسائل الإعلام وكان يزعجهم ما كنت أمر به من مصاعب ، قفز الريبر ورفاقه الى مياه النهر للسباحة والانتعاش من الجو الحار ، وبعد وقت قصير وصل شاب سوري كان يقيم في السويد متزوج ولديه طفلة صغيرة ، نادى الشاب للريبر أبو حسين وطلبه في حديث خاص ، تم الاتفاق بينهما على أن يساهم الشاب في تجهيز الجسر الخشبي من أغصان الأشجار ، وهو الجسر الذي كنا سنعبر عليه نقطة النهر من صربيا إلى المجر . 

انشغل الشاب في بناء الجسر الخشبي ، فيما نحن ذهبنا الى الغابة للاستعداد للانطلاق نحو المجر ، ومن ثم إلى النمسا ،كنا بانتظار إشارة من الشاب حال انتهاءه من بناء الجسر ، وبعد مرور نصف ساعة ، وصلنا خبر غرق الشاب السوري في مياه النهر ، ذهبنا نستطلع الخبر ، عرفنا من مصادر متعددة أن الشاب غرق في النهر بعد أن حاصره البوليس المجري ، أثناء بنائه للجسر الخشبي ، وجد نفسه مطوقا بالبوليس المجري ، لم يكن أمامه سوى السباحة في النهر ، سبح لمنتصف النهر ، وفجأة غطس الشاب نحو أسفل النهر ، ولفظ أنفاسه الأخيرة غريقا في النهر.

استنفر البوليس المجري عند نقطة الحدود مع وصول خبر الشاب الغريق ، وكذلك استدعى الموقف الحرج تدخل البوليس الصربي للعثور على جثة الشاب في الجانب الصربي من الحدود ، تأزم الوضع وأصبح معقدا للغاية ، ولم يعد بمقدورنا العبور نحو المجر ، فالحدود أصبحت شبه مغلقة ، وما كان منا سوى العودة نحو بلدة كانيجا الصربية ، حملنا حقائبنا وأقفلنا عائدين من الغابة الحدودية إلى البلدة التي تبعد حوالي عشرين كيلو مترا عند نقطة الحدود . 

مشينا في بداية مساء الأحد سيرا على الأقدام المتعبة حوالي ثلاث ساعات ونصف ، عددنا حوالي أربعين لاجئا سوريا ، كنا في حالة يأس شديد وإحباط كبير ، فبدلا من أن نسير داخل الاراضي المجرية ، ها نحن نسير عائدين نحو عقدة صربيا ، وأصدقائنا الذين كانوا معنا في أول محاولة  وصلوا ألمانيا وهولندا وبلجيكا .

وصلنا إلى بلدة كانيجا في تمام الساعة الثانية عشر ليلا ، كان التعب قد أصابنا بمقتل ، لم أجد مكانا أنام  فيه في فندق المهرب ابو داود ،لأن الفندق صغير جدا وهو مخصص لنوم النساء والأطفال في أغلب الحالات ، فلم أجد سوى الحديقة ، استلقيت على أرض الحديقة ونمت بعمق كبير كما لو أنني لم أنام منذ عام كامل . 


في صباح يوم الاثنين استيقظت على كلمات ضابط الشرطة الصربية ، طلب مني النهوض لأن النوم في الحديقة ممنوع ، استيقظت بصعوبة ، شعرت بألم في حلقي والتهاب حاد جدا أصابني في منطقة الحلق بسبب التعب والبرد الذي اصابني نتيجة النوم في الحديقة ليلا .

مضى يوم الاثنين بطئيا ، فقد كنت في حالة نفسية سيئة لفشل كل محاولات العبور ، وفي حالة جسدية متعبة بسبب التهاب الحلق ، أمضيت يوم الاثنين انتقل من شجرة لأخرى بحثا عن الظل والفيء هروبا من أشعة الشمس الحارة ، ولم يبق معي من المال سوى 2 يورو فقط ، استطعت شراء سندويشة ، اسندت بها جوعي طوال يوم الاثنين . 

حملت نفسي على الصبر في هذا اليوم العصيب ، مضى يوم الاثنين بكل آلامه وأوجاعه ، وجاء يوم الثلاثاء يوم الخلاص من عقدة المجر والعبور نحو النمسا ، رغم المرض والتعب وعدم وجود طعام أو دواء .

الخميس، 30 يوليو 2015

سوريا رحلة الآلام .. عبور البلقان


عندما وصلت إلى مدينة سالونيك في أقصى شمال اليونان ، تابعت طريقي مع مجموعة من اللاجئين السوريين نحو بلدة بولي كاسترو اليونانية التي تقع على مقربة من الحدود المقدونية بمسافة تزيد عن 18 كيلو متر . 

رفض موظف الحجز بمحطة قطار سالونيك ، قطع تذاكر لنا من سالونيك إلى بولي كاسترو ، بحجة أننا لاجئين ، فتشنا عن طريق آخر للوصول إلى البلدة ، اشار لنا بعض اللاجئين أن نستعين بسيارات الأجرة ، وعندما حاولنا الاستعانة بإحدى السيارات ، طرح السائق أمامنا أرقاما خيالية لنقلنا إلى البلدة التي تبعد عن موقعنا في سالونيك حوالي 50 كيلو متر .


انتابنا شعور من الإحباط واليأس ، نصحنا أحد المواطنين اليونانيين أن نذهب الى محطة الاتوبيسات في سالونيك ، لننطلق منها الى بلدة بولي كاسترو ، توجهنا الى المحطة ، واستطعنا الحصول على تذاكر سفر من موظف حجز المحطة ، وعندما حان موعد الصعود للاتوبيس ، رفض بداية سائق الاتوبيس السماح لي بالصعود ، وتذرع أن ورقة مغادرة اليونان ( الخارطية) التي أصدرتها السلطات اليونانية في كامب جزيرة خيوس لا تخولني التنقل في كافة أرجاء اليونان وخاصة في المناطق الحدودية ، طلبت من السائق أن يتفهم حالة اللاجئين السوريين ووضعنا الحرج ، صمت السائق للحظات قليلة ، ثم وافق على صعودنا للاتوبيس .



انطلق بنا الاتوبيس الى بلدة بولي كاسترو ، وعندما وصلنا البلدة بعد حوالي ساعة ونصف ، توجهنا الى مقهى البلدة للتزود ببعض الماء والعصائر الطبيعية ، عند المقهى تجمعت بعض السيارات ، كانت تنقل اللاجئين من البلدة الى قرية إفزوني اليونانية المحاذية لحدود مقدونيا . 


صعد اللاجئون تباعا الى السيارات التي كانت تقل أربعة لاجئين وكان كل لاجئ يظهر بيده ورقة المغادرة ( الخارطية) للسائق ويدفع له مبلغ 5 يورو مقابل نقله للقرية الحدودية التي تبعد عن بولي كاسترو حوالي 18 كيلو متر ، وعندما جاء دور صعودي الى السيارة ، قدمت للسائق ورقة مغادرتي ، نظر السائق للورقة وأشار برأسه بعلامة الرفض ، ثم قال إنه لا يستطيع نقلي لإفزوني ، لأن ورقتي لا تخولني الوصول إلى هذه القرية ، رغم أن جميع اللاجئين كانوا يصلون إليها عبر سيارات الأجرة ، فالسائق يريد أن يخلي مسؤوليته تجاهي ، بذريعة أنه لا يريد مخالفة القانون ، مع العلم أن السلطات اليونانية ، تعلم مسبقا أنني سأغادر اليونان باتجاه بلدان أوروبا الغربية ولن أمكث طويلا في اليونان .


لم يكن أمامي سوى المشي سيرا على الأقدام من بولي كاسترو إلى قرية إفزوني الحدودية ، وفي منتصف الظهيرة وتحت لهيب الشمس الحارق ، مشيت برفقة ثلاثة من اللاجئين السوريين الذين كان حالهم كحالي ، وقطعنا المسافة المطلوبة بحدود 5 ساعات من المشي المتواصل . 


عندما وصلت لقرية إفزوني ، شاهدت جروب كبير جدا للاجئين السوريين ، كان عناصر الجروب متجمعين بالقرب من فندق هاره الذي كان يقع في أطراف القرية ، ويعتبر نقطة انطلاق رئيسية للحدود المقدونية . 



التحقت بعناصر الجروب ، تفاجأت بالكثير من اللاجئين السوريين الذين كان معظمهم من العوائل المسيحية السورية وكذلك من الشباب الدروز السوريين ومعهم أيضا أعداد كبيرة من الاكراد السوريين ، ومثلما تفاجأت برحيلهم من قراهم وبلداتهم ، تفاجأوا أيضا بوجودي بينهم ، فالكثير منهم لم يكن يتوقع يوما أنني قد أكون بينهم في مثل هكذا رحلة قاسية .


انطلقنا جميعا نحو الحدود المقدونية جنبا الى جنب ويدا بيد خوفا من هجوم قطاع الطرق علينا لسلبنا أموالنا وأمتعتنا ، خلال الطريق تناقشت مع الكثير من الشباب السوريين من المسيحيين والدروز والكورد حول مستقبل سوريا ، وعن دور نظام الاسد في ترحيل المكونات الأساسية للشعب السوري رغم إدعائه الكاذب بحماية المكونات السورية من الإرهاب .


وبعد أن مشينا من قرية إفزوني الى نقطة الحدود المقدونية حوالي 4 ساعات من المشي المتواصل ، وصلنا مع حلول الظلام  ﻷول سكة قطار مقدونية ، وعند السكة ، أوقفنا عناصر الجيش المقدوني ، وطلبوا منا الجلوس أرضا وإحصاء عددنا وتقسيمنا إلى ثلاث مجموعات . 


أوعز إلينا ضباط الجيش المقدوني أن نستريح في الغابة المحاذية لسكة القطار ، وأن ننتظر لصباح اليوم التالي ، حتى يسمح لنا بالمرور فوق سكة القطار والوصول الى بلدة جفجيليا المقدونية ، أمضيت الليل في الغابة برفقة اللاجئين السوريين ، وعندما شعرت بالتعب ، لم يكن بوسعي سوى النوم في أرض الغابة كما فعل الكثير من اللاجئين السوريين ، الذين افترشوا أرض الغابة من شدة التعب والإرهاق بعد يوم كامل من المشي الطويل عبر البلدات اليونانية .  


في الصباح الباكر ، انتظرنا إشارة العبور من الجيش المقدوني ، وما أن أشرقت الشمس واقتربت من الظهيرة ، حتى سمح لنا بدخول مقدونيا ، مشينا فوق سكة القطار مسافة 2 كيلو متر حتى وصلنا محطة قطار بلدة جفجيليا المقدونية .


جلسنا ننتظر في المحطة وصول القطار الذي سينقلنا نحو المقدونية - الصربية ، كانت تعليمات السلطات المقدونية أن يحصل اللاجئون على ورقة مغادرة قانونية من مركز الشرطة في محطة قطارات بلدة جفجيليا . 


انتظرت يوما كاملا في محطة القطارات للحصول على ورقة المغادرة من السلطات المقدونية ، رغم أن الكثير من اللاجئين لم يكترثوا بالحصول على هذه الورقة ﻷن دخولهم مقدونيا مجرد طريق عبور للوصول الى صربيا ، وعندما حصلت على ورقة المغادرة ، صعدت في مطلع الفجر الى القطار الذي كان يعج باللاجئين السوريين وبعض الجنسيات الأخرى ، وكان مشهد التدافع والتزاحم على صعود القطار ، اشبه بخلية النحل .


انطلق بنا القطار من بلدة جفجيليا إلى بلدة كامانوفا ، كانت المسافة بين البلدتين المقدونيتين حوالي 200 كيلو متر ، ومن كامانوفا تابعنا مسيرنا نحو بلدة لوجيان الحدودية مع صربيا ، وقبل دخولنا صربيا تفرق اللاجئون السوريون الى مجموعات صغيرة ، كل مجموعة اختارت طريقها ، مجموعتنا كانت مؤلفة من ثلاث نساء وخمسة أطفال وثلاثة رجال ، وعند خروجنا من بلدة لوجيان المقدونية ، اختلط علينا الأمر بين حدود مقدونيا وكوسوفا ، اخترنا المشي باتجاه الجبل ، وإذ بنا ندخل حدود كوسوفا ، وقد ظهر لنا أننا في الطريق الخاطئ عبر اشارة الجي بي أس ، عدنا إلى الطريق العام الفاصل بين حدود مقدونيا وصربيا وكوسوفا ، ثم سرنا بمحاذاة الجبل دون الصعود إليه والتوغل فيه كثيرا ، حاولنا التواري عن أنظار البوليس الصربي  إلى أن دخلنا بلدة ميراتسو الصربية ذات العرقية الألبانية . 


استقبلنا أهالي البلدة بالترحاب وقدموا لنا بالتعاون مع الصليب الأحمر بعض الماء والطعام ، وطلبوا منا السير نحو الكامب في بلدة بريشيفو للحصول على الأوراق القانونية ، كالتي حصلنا عليها في اليونان ومقدونيا . 


بعد استراحة قصيرة في بلدة ميراتسو انطلقنا نحو بلدة بريشيفو كان الازدحام كبيرا في كامب بلدة بريشيفو واضطررنا للنوم أمام ارصفة المحلات والبيوت واثناء نومنا أمطرت علينا السماء فاضطررنا لحمل فرشاتنا بحثا عن مكان للنوم وفي اليوم التالي انطلقنا بالقطار من بلدة بريشيفو الى العاصمة بلغراد ، ومنها انطلقنا بالاتوبيس إلى بلدة كانيجا الصربية الحدودية مع المجر ، لتنتهي رحلة عبور بلاد البلقان وتبدأ رحلة عبور حدود المجر "خط الدفاع الأول" عن بلدان أوروبا الغربية .